قوله تعالى (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير) العامل في موضع إن وما عملت فيه، قالوا وهى المحكية به، ويجوز أن يكون معمولا لقول المضاف لانه مصدر، وهذا يخرج على قول الكوفيين في إعمال الاول وهو أصل ضعيف، ويزداد هنا ضعفا لان الثانى فعل والاول مصدر، وإعمال الفعل أقوى (سنكتب ما قالوا) يقرأ بالنون، وما قالوا منصوب به (وقتلهم) معطوف عليه، وما مصدرية أو بمعنى الذى، ويقرأ بالياء وتسمية الفاعل، ويقرأ بالياء على مالم يسم فاعله، وقتلهم بالرفع وهو ظاهر (ونقول) بالنون والياء.
قوله تعالى (ذلك) مبتدأ (بما) خبره، والتقدير: مستحق بما قدمت و (ظلام) فعال من الظلم.
فإن قيل: بناء فعال للتكثير، ولايلزم من نفى الظلم الكثير نفى الظلم القليل، فلو قال بظالم لكان أدل على نفى الظلم قليله وكثيره.
فالجواب عنه من ثلاثة أوجه: أحدها أن فعالا قد جاء لا يراد به الكثرة كقول طرفة:
ولست بحلال التلاع مخافة * ولكن متى يسترفد القوم أرفد
لا يريد هاهنا أنه قد يحل التلاع قليلا، لان ذلك يدفعه قوله: متى يسترفد القوم أرفد، وهذا يدل على نفى البخل في كل حال، ولان تمام المدح لا يحصل بإرادته الكثرة.
والثانى أن ظلام هنا للكثرة لانه مقابل للعباد وفى العباد كثرة، وإذا قوبل بهم الظلم كان كثيرا.
والثالث أنه إذا نفى الظلم الكثير انتفى الظلم القليل ضرورة، لان الذى يظلم إنما يظلم لانتفاعه بالظلم، فإذا ترك الظلم الكثير مع زيادة نفعه في حق من يجوز عليه النفع والضر كان للظلم القليل المنفعة أترك، وفيه وجه رابع، وهو أن يكون على النسب: أى لا ينسب إلى الظلم فيكون من بزاز وعطار.
[١٦١]


الصفحة التالية
Icon