صِحَّةِ نُبُوَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ; لِأَنَّهُمْ لَوْلَا أَنَّهُمْ عَرَفُوا يَقِينًا أَنَّهُ نَبِيٌّ مَا الَّذِي كَانَ يَمْنَعُهُمْ مِنْ الْمُبَاهَلَةِ؟ فَلَمَّا أَحْجَمُوا وَامْتَنَعُوا عَنْهَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا عَرَفُوا صِحَّةَ نُبُوَّتِهِ بِالدَّلَائِلِ الْمُعْجِزَاتِ وَبِمَا وَجَدُوا مِنْ نَعْتِهِ فِي كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ. وَفِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ ابْنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم; لأنه أَخَذَ بِيَدِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ حِينَ أَرَادَ حُضُورَ الْمُبَاهَلَةِ وَقَالَ: "تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ"، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنُونَ غَيْرُهُمَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِلْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ" وَقَالَ حِينَ بَالَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ صَغِيرٌ: "لَا تُزْرِمُوا ابْنِي" وَهُمَا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ أَيْضًا، كَمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى عِيسَى مِنْ ذُرِّيَّةِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ﴾ [الأنعام: ٨٤] إلَى قَوْله تَعَالَى: ﴿وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى﴾ [الأنعام: ٨٥] وَإِنَّمَا نِسْبَتُهُ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ أمه; لأنه لا أب له.
مطلب: في أن ولد البنت هل ينسب إلى قوم أبيه أو أمه
وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ إنَّ هَذَا مَخْصُوصٌ فِي الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنْ يُسَمَّيَا ابْنَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ غَيْرِهِمَا، وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ خَبَرٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدُلُّ عَلَى خُصُوصِ إطْلَاقِ اسْمِ ذَلِكَ فِيهِمَا دُونَ غَيْرِهِمَا مِنْ النَّاسِ; لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ "كُلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ مُنْقَطِعٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَّا سَبَبِي وَنَسَبِي" ; وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِيمَنْ أَوْصَى لَوَلَدِ فُلَانٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ لِصُلْبِهِ وَلَهُ وَلَدُ ابْنٍ وَوَلَدُ ابْنَةٍ: "إنَّ الْوَصِيَّةَ لَوَلَدِ الِابْنِ دُونَ وَلَدِ الِابْنَةِ". وَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ وَلَدَ الِابْنَةِ يَدْخُلُونَ فِيهِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى وَقَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِهِ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ فِي جَوَازِ نِسْبَتِهِمَا عَلَى الْإِطْلَاقِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ لِمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ الْأَثَرِ، وَأَنَّ غَيْرَهُمَا مِنْ النَّاسِ إنَّمَا يُنْسَبُونَ إلَى الْآبَاءِ وَقَوْمِهِمْ دُونَ قَوْمِ الْأُمِّ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْهَاشِمِيَّ إذَا اسْتَوْلَدَ جَارِيَةً رُومِيَّةً أَوْ حَبَشِيَّةً أَنَّ ابْنَهُ يَكُونُ هَاشِمِيًّا مَنْسُوبًا إلَى قَوْمِ أَبِيهِ دُونَ أُمِّهِ؟ وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّاعِرُ:

بنونا بنو أبنائنا وبناتنا نوهن أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الْأَبَاعِدِ
فَنِسْبَةُ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبُنُوَّةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ مَخْصُوصٌ بِهِمَا لَا يَدْخُلُ فِيهِ غَيْرُهُمَا; هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ الْمُتَعَالِمُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ فِيمَنْ سِوَاهُمَا; لِأَنَّهُمْ يُنْسَبُونَ إلَى الْأَبِ وَقَوْمِهِ دُونَ قَوْمِ الْأُمِّ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ﴾ الآية. قوله تعالى: ﴿كَلِمَةٍ سَوَاءٍ﴾ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: كَلِمَةِ عَدْلٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ نَتَسَاوَى جَمِيعًا فِيهَا; إذْ كُنَّا جَمِيعًا عِبَادَ اللَّهِ، ثُمَّ فَسَّرَهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ وَهَذِهِ هِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي تَشْهَدُ الْعُقُولُ
مطلب: في أن ولد البنت هل ينسب إلى قوم أبيه أو أمه
وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ إنَّ هَذَا مَخْصُوصٌ فِي الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنْ يُسَمَّيَا ابْنَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ غَيْرِهِمَا، وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ خَبَرٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدُلُّ عَلَى خُصُوصِ إطْلَاقِ اسْمِ ذَلِكَ فِيهِمَا دُونَ غَيْرِهِمَا مِنْ النَّاسِ; لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ "كُلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ مُنْقَطِعٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَّا سَبَبِي وَنَسَبِي" ; وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِيمَنْ أَوْصَى لَوَلَدِ فُلَانٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ لِصُلْبِهِ وَلَهُ وَلَدُ ابْنٍ وَوَلَدُ ابْنَةٍ: "إنَّ الْوَصِيَّةَ لَوَلَدِ الِابْنِ دُونَ وَلَدِ الِابْنَةِ". وَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ وَلَدَ الِابْنَةِ يَدْخُلُونَ فِيهِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى وَقَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِهِ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ فِي جَوَازِ نِسْبَتِهِمَا عَلَى الْإِطْلَاقِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ لِمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ الْأَثَرِ، وَأَنَّ غَيْرَهُمَا مِنْ النَّاسِ إنَّمَا يُنْسَبُونَ إلَى الْآبَاءِ وَقَوْمِهِمْ دُونَ قَوْمِ الْأُمِّ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْهَاشِمِيَّ إذَا اسْتَوْلَدَ جَارِيَةً رُومِيَّةً أَوْ حَبَشِيَّةً أَنَّ ابْنَهُ يَكُونُ هَاشِمِيًّا مَنْسُوبًا إلَى قَوْمِ أَبِيهِ دُونَ أُمِّهِ؟ وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّاعِرُ:
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا نوهن أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الْأَبَاعِدِ
فَنِسْبَةُ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبُنُوَّةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ مَخْصُوصٌ بِهِمَا لَا يَدْخُلُ فِيهِ غَيْرُهُمَا; هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ الْمُتَعَالِمُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ فِيمَنْ سِوَاهُمَا; لِأَنَّهُمْ يُنْسَبُونَ إلَى الْأَبِ وَقَوْمِهِ دُونَ قَوْمِ الْأُمِّ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ﴾ الآية. قوله تعالى: ﴿كَلِمَةٍ سَوَاءٍ﴾ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: كَلِمَةِ عَدْلٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ نَتَسَاوَى جَمِيعًا فِيهَا; إذْ كُنَّا جَمِيعًا عِبَادَ اللَّهِ، ثُمَّ فَسَّرَهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ وهذه هي الكلمة التي تشهد العقول


الصفحة التالية
Icon