مَحَبَّتِهِمْ لِمَا يَشُقُّ عَلَيْكُمْ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لاعْنَتَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٠] وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الِاسْتِعَانَةُ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْعِمَالَاتِ وَالْكَتَبَةِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا مُوسَى اسْتَكْتَبَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَكَتَبَ إلَيْهِ يُعَنِّفُهُ، وَتَلَا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ﴾، أَيْ لَا تَرُدُّوهُمْ إلَى الْعِزِّ بَعْدَ أَنَّ أَذَلَّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى. وَرَوَى أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ عَنْ فَرْقَدِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَبِي دُهْقَانَةَ قَالَ: قُلْت لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: إنَّ هَهُنَا رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ لَمْ نَرَ رَجُلًا أَحْفَظَ مِنْهُ، وَلَا أَخَطَّ مِنْهُ بِقَلَمٍ، فَإِنْ رَأَيْت أَنْ تَتَّخِذَهُ كَاتِبًا قَالَ: قَدْ اتَّخَذْتُ إذًا بِطَانَةً مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ. وَرَوَى هِلَالُ الطَّائِيُّ عَنْ وَسْقٍ الرُّومِيِّ قَالَ: كُنْت مَمْلُوكًا لِعُمَرَ فَكَانَ يَقُولُ لِي أَسْلِمْ فَإِنَّك إنْ أَسْلَمَتْ اسْتَعَنْتُ بِك عَلَى أَمَانَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ أَسْتَعِينَ عَلَى أَمَانَتِهِمْ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ; فَأَبَيْت، فَقَالَ: لَا إكْرَاهَ فِي الدِّينِ; فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ أَعْتَقَنِي فَقَالَ: اذْهَبْ حيث شئت.
مطلب: قوله تعالى: ﴿لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً﴾ وأن المخصوص بالذكر لا يدل على نفي ما عداه
وقَوْله تَعَالَى: ﴿لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً﴾ قيل في معنى ﴿أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً﴾ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: الْمُضَاعَفَةُ بِالتَّأْجِيلِ أَجَلًا بَعْدَ أَجَلٍ وَلِكُلِّ أَجَلٍ قِسْطٌ مِنْ زِيَادَةٍ عَلَى الْمَالِ. وَالثَّانِي: مَا يُضَاعِفُونَ بِهِ أَمْوَالَهُمْ. وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَخْصُوصَ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا عَدَاهُ بِخِلَافِهِ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ تَحْرِيمِ الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً دَلَالَةٌ عَلَى إبَاحَتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً، فَلَمَّا كَانَ الرِّبَا مَحْظُورًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَبِعَدَمِهَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى فَسَادِ قَوْلِهِمْ فِي ذَلِكَ، وَيَلْزَمُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الدَّلَالَةُ مَنْسُوخَةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَحَرَّمَ الرِّبا﴾ [البقرة: ٢٧٥] إذْ لَمْ يَبْقَ لَهَا حُكْمٌ فِي الِاسْتِعْمَالِ.
وقَوْله تَعَالَى: ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾، قِيلَ: كَعَرْضِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ; وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [الحديد: ٢١] وَكَمَا قَالَ: ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [لقمان: ٢٨] أَيْ إلَّا كَبَعْثِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ. وَيُقَالُ: إنَّمَا خَصَّ الْعَرْضَ بِالذِّكْرِ دُونَ الطُّولِ; لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطُّولَ أَعْظَمُ، وَلَوْ ذَكَرَ الطُّولَ لَمْ يَقُمْ مَقَامَهُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْعِظَمِ; وَهَذَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "ذَكَاةُ الجنين ذكاة أمه" معناه: كذكاة أمه.
مطلب: في قول عمر رضي الله عنه "من خاف الله لم يشف غيظه
وقَوْله تَعَالَى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ
مطلب: قوله تعالى: ﴿لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً﴾ وأن المخصوص بالذكر لا يدل على نفي ما عداه
وقَوْله تَعَالَى: ﴿لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً﴾ قيل في معنى ﴿أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً﴾ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: الْمُضَاعَفَةُ بِالتَّأْجِيلِ أَجَلًا بَعْدَ أَجَلٍ وَلِكُلِّ أَجَلٍ قِسْطٌ مِنْ زِيَادَةٍ عَلَى الْمَالِ. وَالثَّانِي: مَا يُضَاعِفُونَ بِهِ أَمْوَالَهُمْ. وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَخْصُوصَ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا عَدَاهُ بِخِلَافِهِ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ تَحْرِيمِ الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً دَلَالَةٌ عَلَى إبَاحَتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً، فَلَمَّا كَانَ الرِّبَا مَحْظُورًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَبِعَدَمِهَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى فَسَادِ قَوْلِهِمْ فِي ذَلِكَ، وَيَلْزَمُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الدَّلَالَةُ مَنْسُوخَةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَحَرَّمَ الرِّبا﴾ [البقرة: ٢٧٥] إذْ لَمْ يَبْقَ لَهَا حُكْمٌ فِي الِاسْتِعْمَالِ.
وقَوْله تَعَالَى: ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾، قِيلَ: كَعَرْضِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ; وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [الحديد: ٢١] وَكَمَا قَالَ: ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [لقمان: ٢٨] أَيْ إلَّا كَبَعْثِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ. وَيُقَالُ: إنَّمَا خَصَّ الْعَرْضَ بِالذِّكْرِ دُونَ الطُّولِ; لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطُّولَ أَعْظَمُ، وَلَوْ ذَكَرَ الطُّولَ لَمْ يَقُمْ مَقَامَهُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْعِظَمِ; وَهَذَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "ذَكَاةُ الجنين ذكاة أمه" معناه: كذكاة أمه.
مطلب: في قول عمر رضي الله عنه "من خاف الله لم يشف غيظه
وقَوْله تَعَالَى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ


الصفحة التالية
Icon