عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَى; أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقْتَضِي جَوَازَ تَوْكِيلِ الْأَبِ إيَّاهُ بِشِرَى عَبْدٍ لِلصَّغِيرِ أَوْ بَيْعِ عَبْدٍ لَهُ؟ هَذَا هُوَ مَعْنَى الْإِذْنِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ. وَأَمَّا تَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى﴾ عَلَى اخْتِبَارِهِمْ فِي عُقُولِهِمْ وَدِينِهِمْ، فَإِنَّ اعْتِبَارَ الدِّينِ فِي دَفْعِ الْمَالِ غَيْرُ وَاجِبٍ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ رَجُلًا فَاسِقًا ضَابِطًا لِأُمُورِهِ عَالِمًا بِالتَّصَرُّفِ فِي وُجُوهِ التِّجَارَاتِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُمْنَعَ مَالَهُ لِأَجْلِ فِسْقِهِ، فَعَلِمْنَا أَنَّ اعْتِبَارَ الدِّينِ فِي ذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ; وَإِنْ كَانَ رَجُلًا ذَا دِينٍ وَصَلَاحٍ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ ضَابِطٍ لِمَالِهِ يَغْبِنُ فِي تَصَرُّفِهِ كَانَ مَمْنُوعًا مِنْ مَالِهِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالْحَجْرِ لِقِلَّةِ الضَّبْطِ وَضَعْفِ الْعَقْلِ، فَعَلِمْنَا أَنَّ اعْتِبَارَ الدِّينِ فِي ذَلِكَ لَا مَعْنَى لَهُ.
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ﴾ فَإِنْ ابْنَ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدًا وَالسُّدِّيَّ قَالُوا: "هُوَ الْحُلُمُ" وهو بلوغ حال النكاح من الاحتلام.
مطلب في تفسير الرشد
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: ﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً﴾ فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: "فَإِنْ عَلِمْتُمْ مِنْهُمْ ذَلِكَ". وَقِيلَ: إنَّ أَصْلَ الْإِينَاسِ هُوَ الْإِحْسَاسُ، حُكِيَ عَنْ الْخَلِيلِ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنِّي آنَسْتُ نَاراً﴾ [طه: ١٠] يَعْنِي أَحْسَسْتهَا وَأَبْصَرْتهَا.
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الرُّشْدِ هَهُنَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ: "الصَّلَاحُ فِي الْعَقْلِ" وَحِفْظِ الْمَالِ". وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: "الصَّلَاحُ فِي الْعَقْلِ وَالدِّينِ". وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَمُجَاهِدٌ: "الْعَقْلُ". وَرَوَى سِمَاكٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ في قوله تعالى: ﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً﴾ قَالَ: "إذَا أَدْرَكَ بِحُلُمٍ وَعَقْلٍ وَوَقَارٍ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إذَا كَانَ اسْمُ الرُّشْدِ يَقَعُ عَلَى الْعَقْلِ لِتَأْوِيلِ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَيْهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ رُشْدًا مَنْكُورًا وَلَمْ يَشْرُطْ سَائِرَ ضُرُوبِ الرُّشْدِ، اقْتَضَى ظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّ حُصُولَ هَذِهِ الصِّفَةِ لَهُ بِوُجُودِ الْعَقْلِ مُوجِبًا لِدَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِ وَمَانِعًا مِنْ الْحَجْرِ عَلَيْهِ; فَهَذَا يُحْتَجُّ بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فِي إبْطَالِ الْحَجْرِ عَلَى الْحُرِّ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ، وَهُوَ مَذْهَبُ إبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَأَبِي حَنِيفَةَ; وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي سُورَةِ البقرة.
وقوله تعالى: ﴿فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ يَقْتَضِي وُجُوبَ دَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِمْ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَإِينَاسِ الرُّشْدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَهُوَ نَظِيرُ قوله تعالى: ﴿وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ﴾ وَهَذِهِ الشَّرِيطَةُ مُعْتَبَرَةٌ فِيهَا أَيْضًا، وَتَقْدِيرُهُ: وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ إذَا بَلَغُوا وَآنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا.
مطلب في تفسير الرشد
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: ﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً﴾ فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: "فَإِنْ عَلِمْتُمْ مِنْهُمْ ذَلِكَ". وَقِيلَ: إنَّ أَصْلَ الْإِينَاسِ هُوَ الْإِحْسَاسُ، حُكِيَ عَنْ الْخَلِيلِ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنِّي آنَسْتُ نَاراً﴾ [طه: ١٠] يَعْنِي أَحْسَسْتهَا وَأَبْصَرْتهَا.
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الرُّشْدِ هَهُنَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ: "الصَّلَاحُ فِي الْعَقْلِ" وَحِفْظِ الْمَالِ". وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: "الصَّلَاحُ فِي الْعَقْلِ وَالدِّينِ". وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَمُجَاهِدٌ: "الْعَقْلُ". وَرَوَى سِمَاكٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ في قوله تعالى: ﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً﴾ قَالَ: "إذَا أَدْرَكَ بِحُلُمٍ وَعَقْلٍ وَوَقَارٍ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إذَا كَانَ اسْمُ الرُّشْدِ يَقَعُ عَلَى الْعَقْلِ لِتَأْوِيلِ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَيْهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ رُشْدًا مَنْكُورًا وَلَمْ يَشْرُطْ سَائِرَ ضُرُوبِ الرُّشْدِ، اقْتَضَى ظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّ حُصُولَ هَذِهِ الصِّفَةِ لَهُ بِوُجُودِ الْعَقْلِ مُوجِبًا لِدَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِ وَمَانِعًا مِنْ الْحَجْرِ عَلَيْهِ; فَهَذَا يُحْتَجُّ بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فِي إبْطَالِ الْحَجْرِ عَلَى الْحُرِّ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ، وَهُوَ مَذْهَبُ إبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَأَبِي حَنِيفَةَ; وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي سُورَةِ البقرة.
وقوله تعالى: ﴿فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ يَقْتَضِي وُجُوبَ دَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِمْ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَإِينَاسِ الرُّشْدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَهُوَ نَظِيرُ قوله تعالى: ﴿وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ﴾ وَهَذِهِ الشَّرِيطَةُ مُعْتَبَرَةٌ فِيهَا أَيْضًا، وَتَقْدِيرُهُ: وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ إذَا بَلَغُوا وَآنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا.


الصفحة التالية
Icon