أَحَدَ أَشَدَّ ذَمًّا لَهَا مِنْ خَالِقِهَا". وَقَالَ بَعْضُهُمْ: زَيَّنَهَا اللَّهُ بِمَا جَعَلَ فِي الطِّبَاعِ مِنْ الْمُنَازَعَةِ إلَيْهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا﴾ [الكهف: ٧]. وَقَالَ آخَرُونَ: "زَيَّنَ اللَّهُ مَا يَحْسُنُ مِنْهُ وَزَيَّنَ الشَّيْطَانُ مَا يَقْبُحُ مِنْهُ".
وقَوْله تَعَالَى ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ﴾ الْآيَةَ. رُوِيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ أَنَّهُ قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ "رَجُلٌ قَتَلَ نَبِيًّا أَوْ رَجُلًا أَمَرَ بِمَعْرُوفٍ وَنَهَى عَنْ مُنْكَرٍ" ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ ثُمَّ قَالَ: "يَا أَبَا عُبَيْدَةَ، قَتَلَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ ثَلَاثَةً، وَأَرْبَعِينَ نَبِيًّا مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَامَ مِائَةُ رَجُلٍ وَاثْنَا عَشَرَ رَجُلًا مِنْ عُبَّادِ بَنِي إسْرَائِيلَ فَأَمَرُوا مَنْ قَتَلَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْهُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ فَقُتِلُوا جَمِيعًا مِنْ آخِرِ النَّهَارِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى".
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ جَوَازُ إنْكَارِ الْمُنْكَرِ مَعَ خَوْفِ الْقَتْلِ، وَأَنَّهُ مَنْزِلَةٌ شَرِيفَةٌ يَسْتَحِقُّ بِهَا الثَّوَابَ الْجَزِيلَ; لِأَنَّ اللَّهَ مَدَحَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قُتِلُوا حِينَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ. وَرَوَى أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ" وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: "يُقْتَلُ عَلَيْهِ". وَرَوَى أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بن عبد المطلب ورجل تكلم بكلمة حق عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ فَقُتِلَ". قَالَ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ: لَا نَعْلَمُ عَمَلًا مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ أَفْضَلَ مِنْ الْقِيَامِ بِالْقِسْطِ يُقْتَلُ عَلَيْهِ.
وَإِنَّمَا قال الله تعالى: ﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ وَإِنْ كَانَ الْإِخْبَارُ عَنْ أَسْلَافِهِمْ، مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ مِنْ الْكُفَّارِ كَانُوا رَاضِينَ بِأَفْعَالِهِمْ، فَأُجْمِلُوا مَعَهُمْ فِي الْإِخْبَارِ بِالْوَعِيدِ لَهُمْ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ﴾ [البقرة: ٩١] وقَوْله تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [آل عمران: ١٨٣] فَنَسَبَ الْقَتْلَ إلَى الْمُخَاطَبِينَ; لِأَنَّهُمْ رَضَوْا بِأَفْعَالِ أَسْلَافِهِمْ وَتَوَلَّوْهُمْ عَلَيْهَا، فَكَانُوا مُشَارِكِينَ لَهُمْ فِي اسْتِحْقَاقِ الْعَذَابِ كَمَا شَارَكُوهُمْ فِي الرِّضَا بِقَتْلِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ﴾ الْآيَةَ. رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَرَادَ الْيَهُودَ حِينَ دُعُوا إلَى التَّوْرَاةِ وَهِيَ كِتَابُ الله وسائر


الصفحة التالية
Icon