وَالتَّنْكِيسِ فِي الْآبَارِ إنَّمَا ذَهَبَ فِيهِ إلَى ظَاهِرِ الْآيَةِ، وَكَذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ أَحْرَقَ قَوْمًا مُرْتَدِّينَ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ اعْتَبَرَ عُمُومَ الْآيَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾ لَا يَخْلُو قَوْله تَعَالَى: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ﴾ مِنْ أَنْ يَكُونَ وُجُودُ هَذِهِ الْأَفْعَالِ مِنْهُمْ شَرْطًا فِي زَوَالِ الْقَتْلِ عَنْهُمْ، وَيَكُونَ قَبُولُ ذَلِكَ، وَالِانْقِيَادُ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ هُوَ الشَّرْطَ دُونَ وُجُودِ الْفِعْلِ; وَمَعْلُومٌ أَنَّ وُجُودَ التَّوْبَةِ مِنْ الشِّرْكِ شَرْطٌ لَا مَحَالَةَ فِي زَوَالِ الْقَتْلِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُمْ لَوْ قَبِلُوا أَمْرَ اللَّهِ فِي فِعْلِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، وَلَمْ يَكُنْ الْوَقْتُ وَقْتَ صَلَاةٍ أَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ وَأَنَّ دِمَاءَهُمْ مَحْظُورَةٌ، فَعَلِمْنَا أَنَّ شَرْطَ زَوَالِ الْقَتْلِ عَنْهُمْ هُوَ قَبُولُ أَوَامِرِ اللَّهِ، وَالِاعْتِرَافُ بِلُزُومِهَا دُونَ فِعْلِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، وَلِأَنَّ إخْرَاجَ الزَّكَاةِ لَا يَلْزَمُ بِنَفْسِ الْإِسْلَامِ إلَّا بَعْدَ حَوْلٍ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ شَرْطًا فِي زَوَالِ الْقَتْلِ، وَكَذَلِكَ فِعْلُ الصَّلَاةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهِ، وَإِنَّمَا شَرْطُهُ قَبُولُ هَذِهِ الْفَرَائِضِ وَالْتِزَامُهَا وَالِاعْتِرَافُ بِوُجُوبِهَا.
فَإِنْ قِيلَ: لَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ﴾ فَشَرَطَ مَعَ التَّوْبَةِ فِعْلَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّوْبَةَ إنَّمَا هِيَ الْإِقْلَاعُ عَنْ الْكُفْرِ وَالرُّجُوعُ إلَى الْإِيمَانِ فَقَدْ عُقِلَ بِذِكْرِهِ التَّوْبَةَ الْتِزَامُ هَذِهِ الْفَرَائِضِ، وَالِاعْتِرَافُ بِهَا; إذْ لَا تَصِحُّ التَّوْبَةُ إلَّا بِهِ، ثُمَّ لَمَّا شَرَطَ مَعَ التَّوْبَةِ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى الْمُزِيلَ لِلْقَتْلِ هُوَ اعْتِقَادُ الْإِيمَانِ بِشَرَائِطِهِ وَفِعْلُ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فَأَوْجَبَ ذَلِكَ قَتْلَ تَارِكِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فِي وَقْتِ وُجُوبِهِمَا، وَإِنْ كَانَ مُعْتَقِدًا لِلْإِيمَانِ مُعْتَرِفًا بِلُزُومِ شَرَائِعِهِ. قِيلَ لَهُ: لَوْ كَانَ فِعْلُ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مِنْ شَرَائِطِ زَوَالِ الْقَتْلِ لَمَا زَالَ الْقَتْلُ عَمَّنْ أَسْلَمَ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَعَمَّنْ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مَعَ إسْلَامِهِ، فَلَمَّا اتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى زَوَالِ الْقَتْلِ عَمَّنْ وَصَفْنَا أَمْرَهُ بَعْدَ اعْتِقَادِهِ لِلْإِيمَانِ لِلُزُومِ شَرَائِعِهِ ثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ فِعْلَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ لَيْسَ مِنْ شَرَائِطِ زَوَالِ الْقَتْلِ، وَأَنَّ شَرْطَهُ إظْهَارُ الْإِيمَانِ، وَقَبُولُ شَرَائِعِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ قَبُولَ الْإِيمَانِ، وَالْتِزَامَ شَرَائِعِهِ لَمَّا كَانَ شَرْطًا فِي ذَلِكَ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ القتل عند إخلاله ببعض ذلك.
مطلب: فيما فعله أبو بكر الصديق رضي الله عنه بالذين امتنعوا من أداء الزكاة
وَقَدْ كَانَتْ الصَّحَابَةُ سَبَتْ ذَرَارِيَّ مَانِعِي الزَّكَاةِ، وَقَتَلَتْ مُقَاتِلَتَهُمْ، وَسَمَّوْهُمْ أَهْلَ الرِّدَّةِ لِأَنَّهُمْ امْتَنَعُوا مِنْ الْتِزَامِ الزَّكَاةِ وَقَبُولِ وُجُوبِهَا فَكَانُوا مُرْتَدِّينَ بِذَلِكَ; لِأَنَّ مِنْ كَفَرَ بِآيَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ فَقَدْ كَفَرَ بِهِ كُلِّهِ، وَعَلَى ذَلِكَ أَجْرَى حُكْمَهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ مَعَ سَائِرِ الصَّحَابَةِ حِينَ قَاتَلُوهُمْ. وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ مُرْتَدُّونَ بِامْتِنَاعِهِمْ مِنْ قَبُولِ فَرْضِ الزَّكَاةِ مَا رَوَى مَعْمَرٍ عن
مطلب: فيما فعله أبو بكر الصديق رضي الله عنه بالذين امتنعوا من أداء الزكاة
وَقَدْ كَانَتْ الصَّحَابَةُ سَبَتْ ذَرَارِيَّ مَانِعِي الزَّكَاةِ، وَقَتَلَتْ مُقَاتِلَتَهُمْ، وَسَمَّوْهُمْ أَهْلَ الرِّدَّةِ لِأَنَّهُمْ امْتَنَعُوا مِنْ الْتِزَامِ الزَّكَاةِ وَقَبُولِ وُجُوبِهَا فَكَانُوا مُرْتَدِّينَ بِذَلِكَ; لِأَنَّ مِنْ كَفَرَ بِآيَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ فَقَدْ كَفَرَ بِهِ كُلِّهِ، وَعَلَى ذَلِكَ أَجْرَى حُكْمَهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ مَعَ سَائِرِ الصَّحَابَةِ حِينَ قَاتَلُوهُمْ. وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ مُرْتَدُّونَ بِامْتِنَاعِهِمْ مِنْ قَبُولِ فَرْضِ الزَّكَاةِ مَا رَوَى مَعْمَرٍ عن


الصفحة التالية
Icon