بقوله تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ﴾ إلَى قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً﴾ [لقمان: ١٥]، وَإِنَّمَا أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ لِيَتَمَيَّزُوا مِنْ الْمُنَافِقِينَ، إذْ كَانَ الْمُنَافِقُونَ يَتَوَلَّوْنَ الْكُفَّارَ، وَيُظْهِرُونَ إكْرَامَهُمْ وَتَعْظِيمَهُمْ إذَا لَقُوهُمْ، وَيُظْهِرُونَ لَهُمْ الْوِلَايَةَ وَالْحِيَاطَةَ، فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى مَا أَمَرَ بِهِ الْمُؤْمِنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَمًا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْمُؤْمِنُ مِنْ الْمُنَافِقِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُسْتَحِقٌّ لِلْعُقُوبَةِ مِنْ رَبِّهِ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ إطْلَاقُ اسْمِ النَّجَسِ عَلَى الْمُشْرِكِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الشِّرْكَ الَّذِي يَعْتَقِدُهُ يَجِبُ اجْتِنَابُهُ كَمَا يَجِبُ اجْتِنَابُ النَّجَاسَاتِ وَالْأَقْذَارِ; فَلِذَلِكَ سَمَّاهُمْ نَجَسًا. وَالنَّجَاسَةُ فِي الشَّرْعِ تَنْصَرِفُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: نَجَاسَةُ الْأَعْيَانِ، وَالْآخَرُ نَجَاسَةُ الذُّنُوبِ; وَكَذَلِكَ الرِّجْسُ، وَالرِّجْزُ يَنْصَرِفُ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فِي الشَّرْعِ; قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾ [المائدة: ٩٠] وَقَالَ فِي وَصْفِ الْمُنَافِقِينَ: ﴿سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ﴾ فَسَمَّاهُمْ رِجْسًا كَمَا سَمَّى الْمُشْرِكِينَ نَجَسًا. وَقَدْ أفاد قوله: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ مَنْعَهُمْ عَنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ إلَّا لِعُذْرٍ، إذْ كان علينا تطهير المساجد من الأنجاس
مطلب: هل يجوز دخول المشرك المسجد
وقَوْله تَعَالَى: ﴿فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ قَدْ تَنَازَعَ مَعْنَاهُ أَهْلُ الْعِلْمِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: "لَا يَدْخُلُ الْمُشْرِكُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ" قَالَ مَالِكٌ: "وَلَا غَيْرَهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ إلَّا لِحَاجَةٍ مِنْ نَحْوِ الذِّمِّيِّ يَدْخُلُ إلَى الْحَاكِمِ فِي الْمَسْجِدِ لِلْخُصُومَةِ". وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: "يَدْخُلُ كُلَّ مَسْجِدٍ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ خَاصَّةً". وَقَالَ أَصْحَابُنَا: "يَجُوزُ لِلذِّمِّيِّ دُخُولُ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ"، وَإِنَّمَا مَعْنَى الْآيَةِ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ خَاصًّا فِي الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَانُوا مَمْنُوعِينَ مِنْ دُخُولِ مَكَّةَ، وَسَائِرِ الْمَسَاجِدِ لِأَنَّهُمْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ ذِمَّةٌ، وَكَانَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ، وَهُمْ مُشْرِكُو الْعَرَبِ، أَوْ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَنْعَهُمْ مِنْ دُخُولِ مَكَّةَ لِلْحَجِّ; وَلِذَلِكَ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنِّدَاءِ يَوْمَ النَّحْرِ فِي السَّنَةِ الَّتِي حَجَّ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ فِيمَا رَوَى الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ بَعَثَهُ فِيمَنْ يُؤَذِّنُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى: أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْعَامِ الَّذِي نَبَذَ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ إلَى الْمُشْرِكِينَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ الْآيَةَ، وَفِي حَدِيثِ
مطلب: هل يجوز دخول المشرك المسجد
وقَوْله تَعَالَى: ﴿فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ قَدْ تَنَازَعَ مَعْنَاهُ أَهْلُ الْعِلْمِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: "لَا يَدْخُلُ الْمُشْرِكُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ" قَالَ مَالِكٌ: "وَلَا غَيْرَهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ إلَّا لِحَاجَةٍ مِنْ نَحْوِ الذِّمِّيِّ يَدْخُلُ إلَى الْحَاكِمِ فِي الْمَسْجِدِ لِلْخُصُومَةِ". وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: "يَدْخُلُ كُلَّ مَسْجِدٍ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ خَاصَّةً". وَقَالَ أَصْحَابُنَا: "يَجُوزُ لِلذِّمِّيِّ دُخُولُ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ"، وَإِنَّمَا مَعْنَى الْآيَةِ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ خَاصًّا فِي الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَانُوا مَمْنُوعِينَ مِنْ دُخُولِ مَكَّةَ، وَسَائِرِ الْمَسَاجِدِ لِأَنَّهُمْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ ذِمَّةٌ، وَكَانَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ، وَهُمْ مُشْرِكُو الْعَرَبِ، أَوْ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَنْعَهُمْ مِنْ دُخُولِ مَكَّةَ لِلْحَجِّ; وَلِذَلِكَ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنِّدَاءِ يَوْمَ النَّحْرِ فِي السَّنَةِ الَّتِي حَجَّ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ فِيمَا رَوَى الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ بَعَثَهُ فِيمَنْ يُؤَذِّنُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى: أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْعَامِ الَّذِي نَبَذَ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ إلَى الْمُشْرِكِينَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ الآية، وفي حديث