وَرَأْيُك أَعْلَى، قَالَ: لَا، وَلَكِنَّا نُجْرِيهِ عَلَى مَا أَجْرَوْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، إنَّ اللَّه جل اسمه أمر نبيه بالمشورة تمام المايه١ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ لَهُ، فَكَانَ يُشَاوِرُ فِي أَمْرِهِ فَيَأْتِيهِ جِبْرِيلُ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ، وَلَكِنْ عَلَيْك بِالدُّعَاءِ لِمَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَك، وَمُرْ أَصْحَابَك بِذَلِكَ، وَقَدْ أَمَرْت لَك بِشَيْءٍ تُفَرِّقُهُ عَلَى أَصْحَابِك. قَالَ: فَخَرَجَ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ فَفَرَّقَهُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي إقْرَارِ الْخُلَفَاءِ بَنِي تَغْلِبَ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ صَبْغِهِمْ أَوْلَادِهِمْ فِي النَّصْرَانِيَّةِ حُجَّةٌ فِي تَرْكِهِمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ النَّصَارَى، فَلَا تَخْلُو مُصَالَحَةُ عُمَرَ إيَّاهُمْ أَنْ لَا يَصْبِغُوا أَوْلَادَهُمْ فِي النَّصْرَانِيَّةِ مِنْ أَحَدِ مَعْنَيَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنْ لَا يُكْرِهُوهُمْ عَلَى الْكُفْرِ إذَا أَرَادُوا الْإِسْلَامَ، أَوْ أَنْ لَا يُنْشِئُوهُمْ عَلَى الْكُفْرِ مِنْ صِغَرِهِمْ، فَإِنْ أَرَادَ الْأَوَّلَ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُمْ مَنَعُوا أَحَدًا مِنْ أَوْلَادِهِمْ التَّابِعِينَ مِنْ الْإِسْلَامِ، وَأَكْرَهُوهُمْ عَلَى الْكُفْرِ فَيَصِيرُوا بِهِ نَاقِضِينَ لِلْعَهْدِ، وَخَالِعِينَ لِلذِّمَّةِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْوَجْهَ الثَّانِي فَإِنَّ عَلِيًّا وَعُثْمَانَ لَمْ يَعْتَرِضُوا عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَقْتُلُوهُمْ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْعَبْدِ النَّصْرَانِيِّ إذَا أَعْتَقَهُ الْمُسْلِمُ أَنَّهُ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ، فَتَرْكٌ لِظَاهِرِ الْآيَةِ بِغَيْرِ دَلَالَةٍ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ أَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ، وَبَيْنَ سَائِرِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ لَمْ يُعْتَقُوا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: "لَوْ جُعِلَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ لَكَانَ العتق قد أضر به ولم ينفعه شيئا" فَلَيْسَ كَذَلِكَ; لِأَنَّهُ فِي حَالِ الرِّقِّ إنَّمَا لَمْ تَلْزَمْهُ الْجِزْيَةُ لِأَنَّ مَالَهُ لِمَوْلَاهُ، وَالْمَوْلَى الْمُسْلِمُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْهُ، وَالْجِزْيَةُ إنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ عُقُوبَةً لَهُمْ عَلَى إقَامَتِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ، وَالْعَبْدُ لَا مَالَ لَهُ فَتُؤْخَذُ مِنْهُ، فَإِذَا عَتَقَ وَمَلَكَ الْمَالَ وَجَبَتْ الْجِزْيَةُ، وَأَخَذْنَا الْجِزْيَةَ مِنْهُ لَمْ يَسْلُبْهُ مَنَافِعَ الْعِتْقِ فِي جَوَازِ التَّصَرُّفِ عَلَى نَفْسِهِ وَزَوَالِ مِلْكِ الْمَوْلَى، وَأَمْرِهِ عَنْهُ وَتَمْلِيكِهِ سَائِرَ أَمْوَالِهِ. وَإِنَّمَا الْجِزْيَةُ جُزْءٌ يَسِيرٌ مِنْ مَالِهِ قَدْ حَقَنَ بِهَا دَمَهُ فَمَنْفَعَةُ الْعِتْقِ حَاصِلَةٌ له.
بَابُ مَنْ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ إلَى قَوْلِهِ: ﴿حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ فَكَانَ مَعْقُولًا مِنْ فَحَوَى الْآيَةِ، وَمَضْمُونِهَا أَنَّ الْجِزْيَةَ مَأْخُوذَةٌ مِمَّنْ كَانَ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ لِاسْتِحَالَةِ الْخِطَابِ بِالْأَمْرِ بِقِتَالِ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ، إذْ الْقِتَالُ لَا يَكُونُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُقَاتِلًا لِصَاحِبِهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ثَبَتَ أَنَّ الْجِزْيَةَ مَأْخُوذَةٌ مِمَّنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ، وَمَنْ يُمْكِنْهُ أَدَاؤُهُ مِنْ الْمُحْتَرِفِينَ; وَلِذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ
بَابُ مَنْ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ إلَى قَوْلِهِ: ﴿حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ فَكَانَ مَعْقُولًا مِنْ فَحَوَى الْآيَةِ، وَمَضْمُونِهَا أَنَّ الْجِزْيَةَ مَأْخُوذَةٌ مِمَّنْ كَانَ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ لِاسْتِحَالَةِ الْخِطَابِ بِالْأَمْرِ بِقِتَالِ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ، إذْ الْقِتَالُ لَا يَكُونُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُقَاتِلًا لِصَاحِبِهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ثَبَتَ أَنَّ الْجِزْيَةَ مَأْخُوذَةٌ مِمَّنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ، وَمَنْ يُمْكِنْهُ أَدَاؤُهُ مِنْ الْمُحْتَرِفِينَ; وَلِذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ