بِهِ الزَّكَاةَ قِيلَ لَهُ: الْحَصَادُ اسْمٌ لِلْقَطْعِ، فَمَتَى قَطَعَهُ فَعَلَيْهِ إخْرَاجُ عُشْرِ مَا صَارَ فِي يَدِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَالْخُضَرُ كُلُّهَا إنَّمَا يَخْرُجُ الْحَقُّ مِنْهَا يَوْمَ الْحَصَادِ غَيْرَ مُنْتَظَرٍ بِهِ شَيْءٌ غَيْرُهُ وَقِيلَ: إنَّ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ لَمْ يَجْعَلْ "الْيَوْمَ" ظَرْفًا لِلْإِيتَاءِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَإِنَّمَا هُوَ ظَرْفٌ لَحِقَهُ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَآتُوا الْحَقَّ الَّذِي وَجَبَ يَوْمَ حَصَادِهِ بَعْدَ التَّنْقِيَةِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَلَمَّا ثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ هُوَ الْعُشْرُ، دَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْعُشْرِ فِي جَمِيعِ مَا تُخْرِجُهُ الْأَرْضُ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ ذَكَرَ الزَّرْعَ بِلَفْظِ عُمُومٍ يَنْتَظِمُ لِسَائِرِ أَصْنَافِهِ، وَذَكَرَ النَّخْلَ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ ثُمَّ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ وَهُوَ عَائِدٌ إلَى جَمِيعِ الْمَذْكُورِ، فَمَنْ ادَّعَى خُصُوصَ شَيْءٍ مِنْهُ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِدَلِيلٍ، فَوَجَبَ بِذَلِكَ إيجَابُ الْحَقِّ فِي الْخُضَرِ وَغَيْرِهَا وَفِي الزَّيْتُونِ وَالرُّمَّانِ.
فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْحَقَّ فِيمَا ذَكَرَ يَوْمَ حَصَادِهِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ اسْتِحْكَامِهِ وَمَصِيرِهِ إلَى حَالٍ تَبْقَى ثَمَرَتُهُ، فَأَمَّا مَا أُخِذَ مِنْهُ قَبْلَ بُلُوغِ وَقْتِ الْحَصَادِ مِنْ الْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ اللَّفْظُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ الزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ لَا يُحْصَدَانِ فَلَمْ يَدْخُلَا فِي عُمُومِ اللَّفْظِ قِيلَ لَهُ: الْحَصَادُ اسْمٌ لِلْقَطْعِ وَالِاسْتِيصَالِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ﴾ [الأنبياء: ١٥] وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ يوم فتح مكة: "تَرَوْنَ أَوْبَاشَ قُرَيْشٍ اُحْصُدُوهُمْ حَصْدًا"، فَيَوْمَ حَصَادِهِ هُوَ يَوْمُ قَطْعِهِ، فَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ فِي الْخُضَرِ وَفِي كُلِّ مَا يُقْطَعُ مِنْ الثِّمَارِ عَنْ شَجَرَةٍ سَوَاءٌ كَانَ بَالِغًا أَوْ أَخْضَرَ رَطْبًا وَأَيْضًا قَدْ أَوْجَبَ الْآيَةُ الْعُشْرَ فِي ثَمَرِ النَّخْلِ عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ يَوْمُ قَطْعِهِ لِشُمُولِ اسْمِ الْحَصَادِ لِقَطْعِ ثَمَرِ النَّخْلِ، وَفَائِدَةُ ذِكْرِ الْحَصَادِ هَهُنَا أَنَّ الْحَقَّ غَيْرُ وَاجِبٍ إخْرَاجُهُ بِنَفْسِ خُرُوجِهِ وَبُلُوغِهِ حَتَّى يَحْصُلَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهُ، وَقَدْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْحَقَّ قَدْ لَزِمَهُ بِخُرُوجِهِ قَبْلَ قَطْعِهِ وَأَخْذِهِ، فَأَفَادَ بِذَلِكَ أَنَّ عَلَيْهِ زَكَاةَ مَا حَصَلَ فِي يَدِهِ دُونَ مَا تَلِفَ مِنْهُ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ فِي يَدِهِ وَيَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْعُشْرِ فِي جَمِيعِ الْخَارِجِ قَوْله تَعَالَى: ﴿أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ﴾ [البقرة: ٢٦٧] وَذَلِكَ عُمُومٌ فِي جَمِيعِ الْخَارِجِ.
فَإِنْ قِيلَ: النَّفَقَةُ لَا تُعْقَلْ مِنْهَا الصَّدَقَةُ قِيلَ لَهُ: هَذَا غَلَطٌ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّ النَّفَقَةَ لَا يُعْقَلُ مِنْهَا غَيْرُ الصَّدَقَةِ، وَبِهَذَا وَرَدَ الْكِتَابُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ﴾ [البقرة: ٢٦٧] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [التوبة: ٣٤] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً﴾ [البقرة: ٢٧٤] الْآيَةُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْآيِ


الصفحة التالية
Icon