كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، وإن عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ، وَإِنَّ النَّسِيءَ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ" الْآيَةَ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْعَلُونَ صَفَرَ عَامًا حَرَامًا وَعَامًا حَلَالًا، وَيَجْعَلُونَ الْمُحَرَّمَ عَامًا حَلَالًا وَعَامًا حَرَامًا، وَكَانَ النَّسِيءُ مِنْ الشَّيْطَانِ، فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الزَّمَانَ يَعْنِي زَمَانَ الشُّهُورِ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَأَنَّ كُلَّ شَهْرٍ قَدْ عَادَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعَهُ اللَّهُ بِهِ عَلَى تَرْتِيبِهِ وَنِظَامِهِ.
مطلب: قد اجتهد محمد بن موسى المنجم في كشف حقيقة قول النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَنَّ الزَّمَانَ قد استدار كهيئته" ثماني سنين.
وَقَدْ ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَوْلَادِ بَنِي الْمُنَجِّمِ أَنَّ جَدَّهُ وَهُوَ أَحْسَبُ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْمُنَجِّمُ الَّذِي يَنْتَمُونَ إلَيْهِ حَسَبَ شُهُورِ الْأَهِلَّةِ مُنْذُ ابْتِدَاءِ خَلْقِ اللَّهِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فَوَجَدَهَا قَدْ عَادَتْ فِي مَوْقِعِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ إلَى الْوَقْتِ الَّذِي ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدْ عَادَ إلَيْهِ يَوْمَ النَّحْر مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ; لِأَنَّ خُطْبَتَهُ هَذِهِ كَانَتْ بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ عِنْدَ الْعَقَبَةِ; وَأَنَّهُ حَسَبَ ذَلِكَ فِي ثَمَانِي سِنِينَ فَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمَ الْعَاشِرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ يَوْمَ ابْتِدَاءِ الشُّهُورِ، وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدْ عَادَ الزَّمَانُ إلَيْهِ مَعَ النَّسِيءِ بِاَلَّذِي قَدْ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُنْسِئُونَ، وَتَغْيِيرُ أَسْمَاءِ الشُّهُورِ، وَلِذَلِكَ لَمْ تَكُنْ السَّنَةُ الَّتِي حَجِّ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ هِيَ الْوَقْتُ الَّذِي وُضِعَ الْحَجُّ فِيهِ.
وَإِنَّمَا قَالَ "رَجَبُ مُضَرَ بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ" دُونَ رَمَضَانَ الَّذِي يُسَمِّيهِ رَبِيعَةُ رَجَبَ.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الْآخِرُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ فَهُوَ أَنَّ اللَّه قَسَمَ الزَّمَانَ اثْنَيْ عَشَرَ قِسْمًا، فَجَعَلَ نُزُولَ الشَّمْسِ فِي كُلِّ بُرْجٍ مِنْ الْبُرُوجِ الِاثْنَيْ عَشَرَ قِسْمًا مِنْهَا، فَيَكُونُ قطعها للفلك في ثلاثمائة وَخَمْسَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا وَرُبْعِ يَوْمٍ، فَيَجِيءُ نَصِيبُ كُلِّ قِسْمٍ مِنْهَا بِالْأَيَّامِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَكَسْرٍ، وَقَسَّمَ الْأَزْمِنَةَ أَيْضًا عَلَى مَسِيرِ الْقَمَرِ، فَصَارَ الْقَمَرُ يَقْطَعُ الْفَلَكَ فِي تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا ونصف يوم. وجعل السنة القمرية ثلاثمائة وَأَرْبَعَةً وَخَمْسِينَ يَوْمًا وَرُبْعَ يَوْمٍ، فَكَانَ قَطْعُ الشَّمْسِ لِلْبُرْجِ مُقَارِبًا لِقَطْعِ الْقَمَرِ لِلْفَلَكِ كُلِّهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: ﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ﴾ [الرحمن: ٥] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾ [الإسراء: ١٢] ; فَلَمَّا كَانَتْ السَّنَةُ
مطلب: قد اجتهد محمد بن موسى المنجم في كشف حقيقة قول النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَنَّ الزَّمَانَ قد استدار كهيئته" ثماني سنين.
وَقَدْ ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَوْلَادِ بَنِي الْمُنَجِّمِ أَنَّ جَدَّهُ وَهُوَ أَحْسَبُ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْمُنَجِّمُ الَّذِي يَنْتَمُونَ إلَيْهِ حَسَبَ شُهُورِ الْأَهِلَّةِ مُنْذُ ابْتِدَاءِ خَلْقِ اللَّهِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فَوَجَدَهَا قَدْ عَادَتْ فِي مَوْقِعِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ إلَى الْوَقْتِ الَّذِي ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدْ عَادَ إلَيْهِ يَوْمَ النَّحْر مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ; لِأَنَّ خُطْبَتَهُ هَذِهِ كَانَتْ بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ عِنْدَ الْعَقَبَةِ; وَأَنَّهُ حَسَبَ ذَلِكَ فِي ثَمَانِي سِنِينَ فَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمَ الْعَاشِرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ يَوْمَ ابْتِدَاءِ الشُّهُورِ، وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدْ عَادَ الزَّمَانُ إلَيْهِ مَعَ النَّسِيءِ بِاَلَّذِي قَدْ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُنْسِئُونَ، وَتَغْيِيرُ أَسْمَاءِ الشُّهُورِ، وَلِذَلِكَ لَمْ تَكُنْ السَّنَةُ الَّتِي حَجِّ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ هِيَ الْوَقْتُ الَّذِي وُضِعَ الْحَجُّ فِيهِ.
وَإِنَّمَا قَالَ "رَجَبُ مُضَرَ بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ" دُونَ رَمَضَانَ الَّذِي يُسَمِّيهِ رَبِيعَةُ رَجَبَ.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الْآخِرُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ فَهُوَ أَنَّ اللَّه قَسَمَ الزَّمَانَ اثْنَيْ عَشَرَ قِسْمًا، فَجَعَلَ نُزُولَ الشَّمْسِ فِي كُلِّ بُرْجٍ مِنْ الْبُرُوجِ الِاثْنَيْ عَشَرَ قِسْمًا مِنْهَا، فَيَكُونُ قطعها للفلك في ثلاثمائة وَخَمْسَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا وَرُبْعِ يَوْمٍ، فَيَجِيءُ نَصِيبُ كُلِّ قِسْمٍ مِنْهَا بِالْأَيَّامِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَكَسْرٍ، وَقَسَّمَ الْأَزْمِنَةَ أَيْضًا عَلَى مَسِيرِ الْقَمَرِ، فَصَارَ الْقَمَرُ يَقْطَعُ الْفَلَكَ فِي تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا ونصف يوم. وجعل السنة القمرية ثلاثمائة وَأَرْبَعَةً وَخَمْسِينَ يَوْمًا وَرُبْعَ يَوْمٍ، فَكَانَ قَطْعُ الشَّمْسِ لِلْبُرْجِ مُقَارِبًا لِقَطْعِ الْقَمَرِ لِلْفَلَكِ كُلِّهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: ﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ﴾ [الرحمن: ٥] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾ [الاسراء: ١٢] ; فلما كانت السنة


الصفحة التالية
Icon