أَصَابُوا حُمُرًا فَطَبَخُوا مِنْهَا، فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلَّا إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَاكُمْ عَنْهَا، فَإِنَّهَا نَجَسٌ فَاكْفَئُوا الْقُدُورَ" وَرَوَى عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَيُّوبَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ، قَالَ: فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَادِيًا فَنَادَى: إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَاكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَإِنَّهَا رِجْسٌ، قَالَ: فَأُكْفِئَتْ الْقُدُورُ وَإِنَّهَا لَتَفُورُ". وَهَذَا يُبْطِلُ تَأْوِيلَ مَنْ تَأَوَّلَ النَّهْيَ عَلَى النُّهْبَةِ وَتَأْوِيلَ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى خَوْفِ فَنَاءِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ بِالذَّبْحِ; لِأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهَا نَجَسٌ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ عَيْنِهَا لَا لَسَبَبٍ غَيْرَهَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَمَرَ بِالْقُدُورِ فَأُكْفِئَتْ، وَلَوْ كَانَ النَّهْيُ لِأَجْلِ مَا ذَكَرُوا لَأَمَرَ بِأَنْ يُطْعَمَ الْمَسَاكِينُ كَمَا أَمَرَ بِذَلِكَ فِي الشَّاةِ الْمَذْبُوحَةِ بِغَيْرِ أَمْرِ أَصْحَابِهَا بِأَنْ يُطْعَمَ الْأَسْرَى. وَفِي حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا يَحْرُمُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: "لَا تَأْكُلُ الْحِمَارَ الْأَهْلِيَّ وَلَا كُلَّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ"، فَبِهَذَا أَيْضًا يَبْطُلُ سَائِرُ التَّأْوِيلَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْ مُبِيحِهَا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ النبي ﷺ نهى عن لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ، فَإِنْ صَحَّ هَذَا التَّأْوِيلُ لِلنَّهْيِ الَّذِي كَانَ مِنْهُ يَوْمَ خَيْبَرَ فَإِنَّ خَبَرَ أَبِي ثَعْلَبَةَ وَغَيْرَهُ فِي سُؤَالِهِمْ عَنْهَا فِي غَيْرِ يَوْمِ خَيْبَرَ يُوجِبُ إيهَامَ تَحْرِيمِهَا لَا لِعِلَّةٍ غَيْرِ أَعْيَانِهَا وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ يُرْوَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُغَفَّلٍ عَنْ رِجْلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: غَالِبُ بْنُ الْأَبْجَرِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْحُرُّ بْنُ غَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مَالِي شَيْءٌ أَسْتَطِيعُ أَنْ أُطْعِمَ فِيهِ أَهْلِي غَيْرَ حُمُرَاتٍ لِي، قَالَ: "فَأَطْعِمْ أَهْلَك مِنْ سَمِينِ مَالِكِ فَإِنَّمَا كَرِهْت لَكُمْ جَوَّالَ الْقَرْيَةِ" ; فَاحْتَجَّ مَنْ أَبَاحَ الْحُمُرَ الْأَهْلِيَّةَ بِهَذَا الْخَبَرِ وَهَذَا الْخَبَرُ يَدُلُّ عَلَى النَّهْيِ عَنْهَا; لِأَنَّهُ قَالَ: "كَرِهْت لَكُمْ جَوَّالَ الْقَرْيَةِ" وَالْحُمُرُ الْأَهْلِيَّةُ كُلُّهَا جَوَّالُ الْقُرَى، وَالْإِبَاحَةُ عِنْدَنَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ إنَّمَا انْصَرَفَتْ إلَى الْحُمُرِ الْوَحْشِيَّةِ.
مطلب: الكلام في الحمار الوحشي إذا ألف
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ إذَا دُجِّنَ فَقَالَ أَصْحَابُنَا وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ إذَا دُجِّنَ وَأُلِفَ: "إنَّهُ جَائِزٌ أَكْلُهُ"، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: "إذَا دُجِّنَ وَصَارَ يُعْمَلُ عَلَيْهِ كَمَا يُعْمَلُ عَلَى الْأَهْلِيِّ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ". وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْوَحْشَ الْأَهْلِيَّ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ حُكْمِ جِنْسِهِ فِي تَحْرِيمِ الْأَكْلِ كَذَلِكَ مَا أُنِسَ من الوحش.
مطلب: الكلام فِي ذِي النَّابِ مِنْ السِّبَاعِ وَذِي الْمِخْلَبِ من الطير
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذِي النَّابِ مِنْ السِّبَاعِ وَذِي الْمِخْلَبِ مِنْ الطَّيْرِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ وَمُحَمَّدٌ: "لَا يَحِلُّ أَكْلُ ذِي النَّابِ مِنْ السِّبَاعِ وذي المخلب


الصفحة التالية
Icon