أَشْبَهَهُ ثُمَّ نَقَضَتْ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ فَتَلَتْهُ فَتْلًا شَدِيدًا، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ﴾ [النحل: ٩٢] لِأَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الْفَتْلَ قُوَّةً، فَمَنْ عَقَدَ عَلَى نَفْسِهِ عَقْدًا أَوْ أَوْجَبَ قُرْبَةً أَوْ دَخَلَ فِيهَا أَنْ لَا يُتِمَّهَا فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا بَعْدَ قُوَّةٍ، وَهَذَا يُوجِبُ أَنَّ كُلَّ مَنْ دَخَلَ فِي صَلَاةِ تَطَوُّعٍ أَوْ صَوْمِ نَفْلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْقُرَبِ أَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ قَبْلَ إتْمَامِهِ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا
بَابُ الِاسْتِعَاذَةِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ رَوَى عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ: "اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِك مِنْ الشَّيْطَانِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ". وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَعَوَّذُ فِي صَلَاتِهِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ: "الِاسْتِعَاذَةُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ" وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: "الِاسْتِعَاذَةُ وَاجِبَةٌ لِكُلِّ قِرَاءَةٍ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا". وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: "إذَا تَعَوَّذْت مَرَّةً أَوْ قَرَأْت مَرَّةً بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَجْزَأَ عَنْك"، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَكَانَ الْحَسَنُ يَسْتَعِيذُ فِي الصَّلَاةِ حِينَ يَسْتَفْتِحُ قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ رِوَايَةٌ أُخْرَى قَالَ: "كُلَّمَا قَرَأْت فَاتِحَةَ الْكِتَابِ حِينَ تَقُولُ آمِينَ فَاسْتَعِذْ". وَقَالَ أَصْحَابُنَا وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ: "يَتَعَوَّذُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ" وَقَالَ مَالِكٌ: "لَا يُتَعَوَّذُ فِي الْمَكْتُوبَةِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَيُتَعَوَّذُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ إذَا قَرَأَ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَوْلُهُ: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ أَنْ تَكُونَ الِاسْتِعَاذَةُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ، كَقَوْلِهِ: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً﴾ [النساء: ١٠٣] وَلَكِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ السَّلَفِ الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ الِاسْتِعَاذَةُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ. وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِطْلَاقِ مِثْلِهِ. وَالْمُرَادُ إذَا أَرَدْت ذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا﴾ [الأنعام: ١٥٢] وَقَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ [الأحزاب: ٥٣] وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ تَسْأَلَهَا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ بَعْدَ سُؤَالٍ مُتَقَدِّمٍ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً﴾ [المجادلة: ١٢] وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ مَعْنَاهُ: إذَا قَرَأْت فَقَدِّمْ الِاسْتِعَاذَةَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَحَقِيقَةُ مَعْنَاهُ: إذَا أَرَدْت الْقِرَاءَةَ فَاسْتَعِذْ، وَكَقَوْلِ الْقَائِلِ: إذَا قُلْت فَاصْدُقْ وَإِذَا أَحْرَمْت فَاغْتَسِلْ يَعْنِي قَبْلَ الْإِحْرَامِ، وَالْمَعْنَى فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إذَا أَرَدْت ذَلِكَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ﴾ مَعْنَاهُ: إذَا أَرَدْت قِرَاءَتَهُ. وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: "الِاسْتِعَاذَةُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْقِرَاءَةِ
بَابُ الِاسْتِعَاذَةِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ رَوَى عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ: "اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِك مِنْ الشَّيْطَانِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ". وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَعَوَّذُ فِي صَلَاتِهِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ: "الِاسْتِعَاذَةُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ" وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: "الِاسْتِعَاذَةُ وَاجِبَةٌ لِكُلِّ قِرَاءَةٍ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا". وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: "إذَا تَعَوَّذْت مَرَّةً أَوْ قَرَأْت مَرَّةً بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَجْزَأَ عَنْك"، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَكَانَ الْحَسَنُ يَسْتَعِيذُ فِي الصَّلَاةِ حِينَ يَسْتَفْتِحُ قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ رِوَايَةٌ أُخْرَى قَالَ: "كُلَّمَا قَرَأْت فَاتِحَةَ الْكِتَابِ حِينَ تَقُولُ آمِينَ فَاسْتَعِذْ". وَقَالَ أَصْحَابُنَا وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ: "يَتَعَوَّذُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ" وَقَالَ مَالِكٌ: "لَا يُتَعَوَّذُ فِي الْمَكْتُوبَةِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَيُتَعَوَّذُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ إذَا قَرَأَ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَوْلُهُ: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ أَنْ تَكُونَ الِاسْتِعَاذَةُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ، كَقَوْلِهِ: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً﴾ [النساء: ١٠٣] وَلَكِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ السَّلَفِ الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ الِاسْتِعَاذَةُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ. وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِطْلَاقِ مِثْلِهِ. وَالْمُرَادُ إذَا أَرَدْت ذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا﴾ [الأنعام: ١٥٢] وَقَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ [الأحزاب: ٥٣] وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ تَسْأَلَهَا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ بَعْدَ سُؤَالٍ مُتَقَدِّمٍ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً﴾ [المجادلة: ١٢] وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ مَعْنَاهُ: إذَا قَرَأْت فَقَدِّمْ الِاسْتِعَاذَةَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَحَقِيقَةُ مَعْنَاهُ: إذَا أَرَدْت الْقِرَاءَةَ فَاسْتَعِذْ، وَكَقَوْلِ الْقَائِلِ: إذَا قُلْت فَاصْدُقْ وَإِذَا أَحْرَمْت فَاغْتَسِلْ يَعْنِي قَبْلَ الْإِحْرَامِ، وَالْمَعْنَى فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إذَا أَرَدْت ذَلِكَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ﴾ مَعْنَاهُ: إذَا أَرَدْت قِرَاءَتَهُ. وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: "الاستعاذة بعد الفراغ من القراءة


الصفحة التالية
Icon