قوله تعالى: ﴿نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ﴾ فِيهِ إخْبَارٌ بِأَنَّ رِزْقَ الْجَمِيعِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَاَللَّهُ سَيُسَبِّبُ لَهُمْ مَا يُنْفِقُونَ عَلَى الْأَوْلَادِ وَعَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَفِيهِ بَيَانٌ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَيَرْزُقُ كُلَّ حَيَوَانٍ خَلَقَهُ مَا دَامَتْ حَيَاتُهُ بَاقِيَةً وَأَنَّهُ إنَّمَا يَقْطَعُ رِزْقَهُ بِالْمَوْتِ، وَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ لِئَلَّا يَتَعَدَّى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَا يَتَنَاوَلُ مَالَ غَيْرِهِ; إذْ كَانَ اللَّهُ قَدْ سَبَّبَ لَهُ مِنْ الرِّزْقِ ما يغنيه عن مال غيره.
مطلب: الزِّنَا قَبِيحٌ فِي الْعَقْلِ قَبْلَ وُرُودِ السَّمْعِ
قوله تعالى: ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً﴾ فِيهِ الْإِخْبَارُ بِتَحْرِيمِ الزِّنَا وَأَنَّهُ قَبِيحٌ لِأَنَّ الْفَاحِشَةَ هِيَ الَّتِي قَدْ تَفَاحَشَ قُبْحُهُ وَعَظُمَ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الزِّنَا قَبِيحٌ فِي الْعَقْلِ قَبْلَ وُرُودِ السَّمْعِ لِأَنَّ اللَّهَ سَمَّاهُ فَاحِشَةً وَلَمْ يُخَصِّصْ بِهِ قَبْلَ وُرُودِ السَّمْعِ أَوْ بَعْدَهُ وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الزِّنَا قَبِيحٌ فِي الْعَقْلِ أَنَّ الزَّانِيَةَ لَا نَسَبَ لِوَلَدِهَا مِنْ قِبَلِ الْأَبِ; إذْ لَيْسَ بَعْضُ الزُّنَاةِ أَوْلَى بِهِ لَحَاقُهُ بِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَفِيهِ قَطْعُ الْأَنْسَابِ وَمَنْعُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْحُرُمَاتِ فِي الْمَوَارِيثِ وَالْمُنَاكَحَاتِ وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ وَإِبْطَالِ حَقِّ الْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ مِنْ الْحُقُوقِ الَّتِي تَبْطُلُ مَعَ الزِّنَا، وَذَلِكَ قَبِيحٌ فِي الْعُقُولِ مُسْتَنْكَرٌ فِي الْعَادَاتِ وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ" لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ النَّسَبُ مَقْصُورًا عَلَى الْفِرَاشِ وَمَا هُوَ فِي حُكْمِ الْفِرَاشِ لَمَا كَانَ صَاحِبُ الْفِرَاشِ بِأَوْلَى بِالنَّسَبِ مِنْ الزَّانِي وَكَانَ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ الْأَنْسَابِ وَإِسْقَاطِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْحُقُوقِ وَالْحُرُمَاتِ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ إنما قال تعالى: ﴿إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ لِأَنَّ قَتْلَ النَّفْسِ قَدْ يَصِيرُ حَقًّا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ حَقًّا، وَذَلِكَ قَتْلُهُ عَلَى وَجْهِ الْقَوَدِ وَبِالرِّدَّةِ وَالرَّجْمِ لِلْمُحْصَنِ وَالْمُحَارِبَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً﴾ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ومجاهد في قوله: ﴿سُلْطَاناً﴾ قَالُوا: حُجَّةٌ، كَقَوْلِهِ: ﴿أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ [النمل: ٢١] وَقَالَ الضَّحَّاكُ: السُّلْطَانُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقَتْلِ وَبَيْنَ أَخْذِ الدِّيَةِ وَعَلَى السُّلْطَانِ أَنْ يَطْلُبَ الْقَاتِلَ حَتَّى يَدْفَعَهُ إلَيْهِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: السُّلْطَانُ لَفْظٌ مُجْمَلٌ غَيْرُ مُكْتَفٍ بِنَفْسِهِ فِي الْإِبَانَةِ عَنْ الْمُرَادِ لِأَنَّهُ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ يَقَعُ عَلَى مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَمِنْهَا الْحُجَّةُ وَمِنْهَا السُّلْطَانُ الَّذِي يَلِي الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَغَيْرَ ذَلِكَ، إلَّا أَنَّ الْجَمِيعَ مُجْمِعُونَ أَنَّهُ قَدْ أُرِيدَ بِهِ الْقَوَدُ فَصَارَ الْقَوَدُ كَالْمَنْطُوقِ بِهِ فِي الْآيَةِ، وَتَقْدِيرُهُ فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا أَيْ قَوَدًا، وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّ الدِّيَةَ مُرَادَةٌ فَلَمْ نُثْبِتْهَا وَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ الْقَوَدُ دَلَّ ظَاهِرُهُ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ صِغَارًا وَكِبَارًا أَنَّ لِلْكِبَارِ أَنْ يَقْتَصُّوا قَبْلَ بُلُوغِ الصِّغَارِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلِيٌّ وَالصَّغِيرُ
مطلب: الزِّنَا قَبِيحٌ فِي الْعَقْلِ قَبْلَ وُرُودِ السَّمْعِ
قوله تعالى: ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً﴾ فِيهِ الْإِخْبَارُ بِتَحْرِيمِ الزِّنَا وَأَنَّهُ قَبِيحٌ لِأَنَّ الْفَاحِشَةَ هِيَ الَّتِي قَدْ تَفَاحَشَ قُبْحُهُ وَعَظُمَ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الزِّنَا قَبِيحٌ فِي الْعَقْلِ قَبْلَ وُرُودِ السَّمْعِ لِأَنَّ اللَّهَ سَمَّاهُ فَاحِشَةً وَلَمْ يُخَصِّصْ بِهِ قَبْلَ وُرُودِ السَّمْعِ أَوْ بَعْدَهُ وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الزِّنَا قَبِيحٌ فِي الْعَقْلِ أَنَّ الزَّانِيَةَ لَا نَسَبَ لِوَلَدِهَا مِنْ قِبَلِ الْأَبِ; إذْ لَيْسَ بَعْضُ الزُّنَاةِ أَوْلَى بِهِ لَحَاقُهُ بِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَفِيهِ قَطْعُ الْأَنْسَابِ وَمَنْعُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْحُرُمَاتِ فِي الْمَوَارِيثِ وَالْمُنَاكَحَاتِ وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ وَإِبْطَالِ حَقِّ الْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ مِنْ الْحُقُوقِ الَّتِي تَبْطُلُ مَعَ الزِّنَا، وَذَلِكَ قَبِيحٌ فِي الْعُقُولِ مُسْتَنْكَرٌ فِي الْعَادَاتِ وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ" لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ النَّسَبُ مَقْصُورًا عَلَى الْفِرَاشِ وَمَا هُوَ فِي حُكْمِ الْفِرَاشِ لَمَا كَانَ صَاحِبُ الْفِرَاشِ بِأَوْلَى بِالنَّسَبِ مِنْ الزَّانِي وَكَانَ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ الْأَنْسَابِ وَإِسْقَاطِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْحُقُوقِ وَالْحُرُمَاتِ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ إنما قال تعالى: ﴿إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ لِأَنَّ قَتْلَ النَّفْسِ قَدْ يَصِيرُ حَقًّا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ حَقًّا، وَذَلِكَ قَتْلُهُ عَلَى وَجْهِ الْقَوَدِ وَبِالرِّدَّةِ وَالرَّجْمِ لِلْمُحْصَنِ وَالْمُحَارِبَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً﴾ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ومجاهد في قوله: ﴿سُلْطَاناً﴾ قَالُوا: حُجَّةٌ، كَقَوْلِهِ: ﴿أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ [النمل: ٢١] وَقَالَ الضَّحَّاكُ: السُّلْطَانُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقَتْلِ وَبَيْنَ أَخْذِ الدِّيَةِ وَعَلَى السُّلْطَانِ أَنْ يَطْلُبَ الْقَاتِلَ حَتَّى يَدْفَعَهُ إلَيْهِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: السُّلْطَانُ لَفْظٌ مُجْمَلٌ غَيْرُ مُكْتَفٍ بِنَفْسِهِ فِي الْإِبَانَةِ عَنْ الْمُرَادِ لِأَنَّهُ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ يَقَعُ عَلَى مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَمِنْهَا الْحُجَّةُ وَمِنْهَا السُّلْطَانُ الَّذِي يَلِي الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَغَيْرَ ذَلِكَ، إلَّا أَنَّ الْجَمِيعَ مُجْمِعُونَ أَنَّهُ قَدْ أُرِيدَ بِهِ الْقَوَدُ فَصَارَ الْقَوَدُ كَالْمَنْطُوقِ بِهِ فِي الْآيَةِ، وَتَقْدِيرُهُ فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا أَيْ قَوَدًا، وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّ الدِّيَةَ مُرَادَةٌ فَلَمْ نُثْبِتْهَا وَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ الْقَوَدُ دَلَّ ظَاهِرُهُ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ صِغَارًا وَكِبَارًا أَنَّ لِلْكِبَارِ أَنْ يَقْتَصُّوا قَبْلَ بُلُوغِ الصِّغَارِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلِيٌّ وَالصَّغِيرُ