بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ وَأَلْبَانِهَا". وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ عَنْ قَتَادَةُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ لَبَنِ الْجَلَّالَةِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَكُلُّ مَنْ خَالَفَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الَّتِي ذَكَرْنَا مِنْ ابْتِدَائِنَا بِأَحْكَامِ قَوْله تَعَالَى: ﴿قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً﴾ وَأَبَاحَ أَكْلَ مَا ذَهَبَ أَصْحَابُنَا فِيهِ إلَى حَظْرِهِ، فَإِنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ فِيهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً﴾ الْآيَةُ. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ خَرَجَ عَلَى سَبَبٍ فِيمَا كَانَ يُحَرِّمُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِمَّا حَكَاهُ اللَّهُ عَنْهُمْ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ مِمَّا كَانُوا يُحَرِّمُونَهُ مِنْ الْأَنْعَامِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ نُزُولُهُ عَلَى السَّبَبِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَكَانَ خَبَرًا مُبْتَدَأً لَمْ يَمْتَنِعْ بِذَلِكَ قَبُولُ أَخْبَارِ الْآحَادِ فِي تَحْرِيمِ أَشْيَاءَ لَمْ تَنْتَظِمْهَا الْآيَةُ وَلَا اسْتِعْمَالُ الْقِيَاسِ فِي حَظْرِ كَثِيرٍ مِنْهُ; لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ الْإِخْبَارُ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْمُحَرَّمُ مِنْ طَرِيقِ الشَّرْعِ إلَّا الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ، وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ قَدْ كَانَتْ مُبَاحَةً قَبْلَ وُرُودِ السَّمْعِ، وَقَدْ كَانَ قَبُولُ أَخْبَارِ الْآحَادِ جَائِزًا وَاسْتِعْمَالُ الْقِيَاسِ سَائِغًا فِي تَحْرِيمِ مَا هَذَا وَصْفُهُ، وَكَذَلِكَ إخْبَارُ اللَّهِ بِأَنَّهُ لَمْ يُحَرَّمْ بِالشَّرْعِ إلَّا الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ غَيْرَ مَانِعٍ تَحْرِيمَ غَيْرِهِ مِنْ طَرِيقِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ.
وقَوْله تَعَالَى: ﴿عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ﴾ [الأنعام: ١٤٥] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُحَرَّمَ مِنْ الْمَيْتَةِ مَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْأَكْلُ مِنْهَا، فَلَمْ يَتَنَاوَلْ الْجِلْدَ الْمَدْبُوغَ وَلَا الْقَرْنَ وَالْعَظْمَ وَالظِّلْفَ وَالرِّيشَ وَنَحْوَهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَاةِ مَيْمُونَةَ: "إنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا" وَفِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ: "إنَّمَا حُرِّمَ لَحْمُهَا".
وقَوْله تَعَالَى: ﴿أَوْ دَماً مَسْفُوحاً﴾ [الأنعام: ١٤٥] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُحَرَّمَ مِنْ الدَّمِ مَا كَانَ مَسْفُوحًا وَأَنَّ مَا يَبْقَى فِي الْعُرُوقِ مِنْ أَجْزَاءِ الدَّمِ غَيْرُ مُحَرَّمٍ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا فِي الدَّمِ الَّذِي فِي الْمَذْبَحِ أَوْ فِي أَعْلَى الْقِدْرِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْفُوحٍ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ دَمَ الْبَقِّ وَالْبَرَاغِيثِ وَالذُّبَابِ لَيْسَ بِنَجِسٍ; إذْ لَيْسَ بِمَسْفُوحٍ.
فَإِنْ قِيلَ: قَوْله تَعَالَى: ﴿قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ﴾ وَإِنْ كَانَ إخْبَارًا بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُحَرَّمُ فِي شَرِيعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَأْكُولَاتِ غَيْرَ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ، فَإِنَّهُ قَدْ نَسَخَ بِهِ كَثِيرًا مِنْ الْمَحْظُورَاتِ عَلَى أَلْسِنَةِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ، فَلَا يَكُونُ سَبِيلُهُ سَبِيلَ بَقَاءِ الشَّيْءِ عَلَى حُكْمِ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ بَلْ يَكُونُ فِي حُكْمِ مَا قَدْ نَصَّ عَلَى إبَاحَتِهِ شَرْعًا، فَلَا يَجُوزُ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَلَا بِالْقِيَاسِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ نَسَخَ بذلك كثيراً