وَمِنْ سُورَةِ مَرْيَمَ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً﴾ فَمَدَحَهُ بِإِخْفَاءِ الدُّعَاءِ، وَفِيهِ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ إخْفَاءَهُ أَفْضَلُ مِنْ الْجَهْرِ بِهِ، وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً﴾ [الأعراف: ٥٥] وَرَوَى سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَيْرُ الذِّكْرِ الْخَفِيُّ وَخَيْرُ الرِّزْقِ مَا يَكْفِي". وَعَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنْ يَدْعُوَ الْإِمَامُ فِي الْقُنُوتِ وَيُؤَمِّنَ مَنْ خَلْفَهُ، وَكَانَ لَا يُعْجِبُهُ رَفْعَ الْأَصْوَاتِ. وَرَوَى أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي سَفَرٍ فَرَأَى قَوْمًا قَدْ رَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالدُّعَاءِ فَقَالَ: "إنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمًّا وَلَا غَائِبًا إنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إلَيْكُمْ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ".قَوْله تعالى: ﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي﴾ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَأَبِي صَالِحٍ وَالسُّدِّيِّ: أَنَّ الْمَوَالِيَ الْعُصْبَةُ وَهُمْ بَنُو أَعْمَامِهِ، خَافَهُمْ عَلَى الدِّينِ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا شِرَارَ بَنِي إسْرَائِيلَ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾ سَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَرْزُقَهُ وَلَدًا ذَكَرًا يَلِي أُمُورَ الدِّينِ وَالْقِيَامَ بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِخَوْفِهِ مِنْ بَنِي أَعْمَامِهِ عَلَى تَبْدِيلِ دِينِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ. وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةُ عَنْ الْحَسَنِ فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾ قَالَ: "نُبُوَّتَهُ وَعِلْمَهُ". وَرَوَى خُصَيْفٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "كَانَ عَقِيمًا لَا يُولَدُ لَهُ وَلَدٌ فَسَأَلَ رَبَّهُ الْوَلَدَ فَقَالَ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ النُّبُوَّةَ"، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ مِثْلُهُ. فَذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يَرِثُ الْمَالَ وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ النُّبُوَّةَ فَقَدْ أَجَازَ إطْلَاقَ اسْمِ الْمِيرَاثِ عَلَى النُّبُوَّةِ فكذلك يجوز أن يعني بقوله: ﴿يَرِثُنِي﴾ يَرِثُ عِلْمِي. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ"، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُونُوا عَلَى مَشَاعِرِكُمْ" يَعْنِي بِعَرَفَاتٍ "فَإِنَّكُمْ عَلَى إرْثٍ مِنْ إرْثِ إبْرَاهِيمَ". وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "لَا نُوَرِّثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ". وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَنْشُدُ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ عُثْمَانُ وَعَبْدُ الرحمن بن
وَمِنْ سُورَةِ مَرْيَمَ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً﴾ فَمَدَحَهُ بِإِخْفَاءِ الدُّعَاءِ، وَفِيهِ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ إخْفَاءَهُ أَفْضَلُ مِنْ الْجَهْرِ بِهِ، وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً﴾ [الأعراف: ٥٥] وَرَوَى سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَيْرُ الذِّكْرِ الْخَفِيُّ وَخَيْرُ الرِّزْقِ مَا يَكْفِي". وَعَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنْ يَدْعُوَ الْإِمَامُ فِي الْقُنُوتِ وَيُؤَمِّنَ مَنْ خَلْفَهُ، وَكَانَ لَا يُعْجِبُهُ رَفْعَ الْأَصْوَاتِ. وَرَوَى أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي سَفَرٍ فَرَأَى قَوْمًا قَدْ رَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالدُّعَاءِ فَقَالَ: "إنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمًّا وَلَا غَائِبًا إنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إلَيْكُمْ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ".قَوْله تعالى: ﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي﴾ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَأَبِي صَالِحٍ وَالسُّدِّيِّ: أَنَّ الْمَوَالِيَ الْعُصْبَةُ وَهُمْ بَنُو أَعْمَامِهِ، خَافَهُمْ عَلَى الدِّينِ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا شِرَارَ بَنِي إسْرَائِيلَ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾ سَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَرْزُقَهُ وَلَدًا ذَكَرًا يَلِي أُمُورَ الدِّينِ وَالْقِيَامَ بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِخَوْفِهِ مِنْ بَنِي أَعْمَامِهِ عَلَى تَبْدِيلِ دِينِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ. وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةُ عَنْ الْحَسَنِ فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾ قَالَ: "نُبُوَّتَهُ وَعِلْمَهُ". وَرَوَى خُصَيْفٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "كَانَ عَقِيمًا لَا يُولَدُ لَهُ وَلَدٌ فَسَأَلَ رَبَّهُ الْوَلَدَ فَقَالَ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ النُّبُوَّةَ"، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ مِثْلُهُ. فَذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يَرِثُ الْمَالَ وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ النُّبُوَّةَ فَقَدْ أَجَازَ إطْلَاقَ اسْمِ الْمِيرَاثِ عَلَى النُّبُوَّةِ فكذلك يجوز أن يعني بقوله: ﴿يَرِثُنِي﴾ يَرِثُ عِلْمِي. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ"، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُونُوا عَلَى مَشَاعِرِكُمْ" يَعْنِي بِعَرَفَاتٍ "فَإِنَّكُمْ عَلَى إرْثٍ مِنْ إرْثِ إبْرَاهِيمَ". وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "لَا نُوَرِّثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ". وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَنْشُدُ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ عُثْمَانُ وَعَبْدُ الرحمن بن