مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ"، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ مِثْلُهُ. وَقَالَ عَطَاءٌ: "إنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهَا إلَى أَنْ تُنْحَرَ" وَهُوَ قَوْلُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَاتَّفَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمَنْ تَابَعَهُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً﴾ أُرِيدَ بِهِ إلَى أَنْ تَصِيرَ بُدْنًا، فَذَلِكَ هُوَ الْأَجَلُ الْمُسَمَّى، وَكَرِهُوا بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ تُرْكَبَ، وَقَالَ عَطَاءٌ وَمَنْ وَافَقَهُ: "يَرْكَبُهَا بَعْدَ أَنْ تَصِيرَ بَدَنَةً" وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: "وَيَرْكَبُهَا غَيْرَ فَادِحٍ لَهَا وَيَحْلُبُهَا عَنْ فَضْلِ وَلَدِهَا". وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ أَخْبَارٌ يَحْتَجُّ بِهَا مَنْ أَبَاحَ رُكُوبَهَا، فَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ لَهُ: "وَيْحَكَ ارْكَبْهَا فَقَالَ: إنَّهَا بَدَنَةٌ فَقَالَ: وَيْحَكَ ارْكَبْهَا". وَرَوَى شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ ذَلِكَ. وَهَذَا عِنْدَنَا إنَّمَا أَبَاحَهُ لِضَرُورَةِ عِلْمِهِ مِنْ حَاجَةِ الرَّجُلِ إلَيْهَا، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي أَخْبَارٍ أُخَرَ، مِنْهَا مَا رَوَى إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ يَسُوقُ بَدَنَةً وَهُوَ يَمْشِي وَقَدْ بَلَغَ مِنْهُ فَقَالَ: "ارْكَبْهَا" قَالَ: إنَّهَا بَدَنَةٌ قَالَ: "ارْكَبْهَا". وَسُئِلَ جَابِرٌ عَنْ رُكُوبِ الْهَدْيِ فَقَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إذَا أُلْجِئْتَ إلَيْهَا حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا". وَقَدْ رَوَى ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ فِي رُكُوبِ الْهَدْيِ قَالَ: "ارْكَبْ بِالْمَعْرُوفِ إذَا احْتَجْتَ إلَيْهَا حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا". فَبَيَّنَ فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ أَنَّ إبَاحَةَ رُكُوبِهَا مَعْقُودَةٌ بِشَرِيطَةِ الضَّرُورَةِ إلَيْهَا، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَنَافِعَهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهَا لِلرُّكُوبِ، فَلَوْ كَانَ مَالِكًا لِمَنَافِعِهَا لَمَلَكَ عقد الإجارة عليها كمنافع سائر المملوكات.
بَابُ مَحِلِّ الْهَدْيِ
مَحِلُّ الْهَدْيِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ إلَى قَوْلِهِ: ﴿لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مُرَادَهُ تَعَالَى فِيمَا جُعِلَ هَدْيًا أَوْ بَدَنَةً أَوْ فِيمَا وَجَبَ أَنْ تُجْعَلَ هَدْيًا مِنْ وَاجِبٍ فِي ذِمَّتِهِ، فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ مَحِلَّ مَا كَانَ هَذَا وَصْفُهُ إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، وَالْمُرَادُ بِالْبَيْتِ هَهُنَا الْحَرَمُ كُلُّهُ; إذْ مَعْلُومٌ أَنَّهَا لَا تُذْبَحُ عِنْدَ الْبَيْتِ وَلَا فِي الْمَسْجِدِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ الْحَرَمُ كُلُّهُ، فَعَبَّرَ عَنْهُ بِذِكْرِ الْبَيْتِ; إذْ كَانَتْ حُرْمَةُ الْحَرَمِ كُلِّهِ مُتَعَلِّقَةً بِالْبَيْتِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ: ﴿هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ﴾ [المائدة: ٩٥] وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُرَادَ الْحَرَمُ كُلُّهُ. وَقَدْ رَوَى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ طَرِيقٌ وَمَنْحَرٌ"، وَعُمُومُ الْآيَةِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَحِلُّ سَائِرِ الْهَدَايَا الْحَرَمَ وَلَا يُجْزِئُ فِي غَيْرِهِ; إذْ لَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْهَا.
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَدْيِ الْإِحْصَارِ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: "مَحِلُّهُ ذَبْحُهُ فِي الْحَرَمِ" وَذَلِكَ


الصفحة التالية
Icon