ابْنَ عُمَرَ أَتَى عَلَى رَجُلٍ قَدْ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَنَحَرَهَا وَهِيَ بَارِكَةٌ، فَقَالَ: "انْحَرْهَا قِيَامًا مُقَيَّدَةً سُنَّةَ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". وَرَوَى أَيْمَنُ بْنُ نَابِلٍ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ﴾ "قِيَامًا". وَرَوَى سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: مَنْ قَرَأَ: "صَوَافَّ" فَهِيَ قَائِمَةٌ مَضْمُومَةٌ يَدَاهَا، وَمَنْ قَرَأَ: "صَوَافِنَ" قِيَامٌ مَعْقُولَةٌ. وَرَوَى الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَرَأَهَا "صَوَافِنَ". قَالَ" "مَعْقُولَةٌ، يَقُولُ: بِسْمِ الله والله أكبر". وروى الأعمش عن أبي الضُّحَى قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ وَسُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ صَوَافَّ قَالَ: "قِيَامًا مَعْقُولَةً". وَرَوَى جُوَيْبِرٌ عَنْ الضَّحَّاكِ قَالَ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقْرَؤُهَا: "صَوَافِنَ" وَصَوَافِنَ أَنْ يُعْقَلَ إحْدَى يَدَيْهَا فَتَقُومَ عَلَى ثَلَاثٍ. وَرَوَى قَتَادَةُ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَرَأَهَا: "صَوَافِي" قَالَ: "خَالِصَةٌ مِنْ الشِّرْكِ". وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: "أَنَّهَا تُنْحَرُ مُسْتَقْبِلَةً الْقِبْلَةَ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: خَلَصَتْ قِرَاءَةُ السَّلَفِ لِذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْحَاءٍ: أَحَدُهَا: "صَوَافَّ" بِمَعْنَى مُصْطَفَّةً قِيَامًا، وَ "صَوَافِي" بِمَعْنَى خَالِصَةً لِلَّهِ تَعَالَى، وَ "صَوَافِنَ" بِمَعْنَى مُعَقَّلَةً فِي قِيَامِهَا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا﴾ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ وَغَيْرِهِمْ: "إذَا سَقَطَتْ" وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْوُجُوبُ هُوَ السُّقُوطُ، وَمِنْهُ: وَجَبَتْ الشَّمْسُ إذَا سَقَطَتْ لِلْمَغِيبِ، قَالَ قَيْسُ بْنُ الْخَطِيمِ:
أَطَاعَتْ بَنُو عَوْفٍ أَمِيرًا نَهَاهُمْ | عَنْ السِّلْمِ حَتَّى كَانَ أَوَّلَ وَاجِبِ |
وقَوْله تَعَالَى: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا﴾ يَقْتَضِي إيجَابَ الْأَكْلِ مِنْهَا، إلَّا أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْأَكْلَ مِنْهَا غَيْرُ وَاجِبٍ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحَبًّا مَنْدُوبًا إلَيْهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَكَلَ مِنْ الْبُدْنِ الَّتِي سَاقَهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَكَانَ لَا يَأْكُلُ يَوْمَ الأضحى حتى