قَوْله تَعَالَى: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ قِيلَ فِي مَعْنَاهُ: لَنْ يَتَقَبَّلَ اللَّهُ اللُّحُومَ وَلَا الدِّمَاءَ وَلَكِنْ يَتَقَبَّلُ التَّقْوَى مِنْهَا. وَقِيلَ: لَنْ يَبْلُغَ رِضَا اللَّهِ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَبْلُغُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ. وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ بَيَانًا أَنَّهُمْ إنَّمَا يَسْتَحِقُّونَ الثَّوَابَ بِأَعْمَالِهِمْ; إذْ كَانَتْ اللُّحُومُ وَالدِّمَاءُ فِعْلَ اللَّهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقُّوا بِهَا الثَّوَابَ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّونَهُ بِفِعْلِهِمْ الَّذِي هُوَ التَّقْوَى وَمَجْرَى مُوَافَقَةِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِذَبْحِهَا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ﴾ يَعْنِي: ذَلَّلَهَا لِتَصْرِيفِ الْعِبَادِ فِيمَا يُرِيدُونَ مِنْهَا خِلَافُ السِّبَاعِ الْمُمْتَنِعَةِ بِمَا أُعْطِيت مِنْ الْقُوَّةِ وَالْآلَةِ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: "صَوَامِعُ الرُّهْبَانِ، وَالْبِيَعُ كَنَائِسُ الْيَهُودِ". وَقَالَ الضَّحَّاكُ: "صَلَوَاتٌ كَنَائِسُ الْيَهُودِ يُسَمُّونَهَا صَلُوتَا". وَقِيلَ: "إنَّ الصَّلَوَاتِ مَوَاضِعُ صَلَوَاتِ الْمُسْلِمِينَ مِمَّا فِي مَنَازِلِهِمْ". وَقَالَ بَعْضُهُمْ: "لَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ فِي أَيَّامِ شَرِيعَةِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَبِيَعٌ فِي أَيَّامِ شَرِيعَةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمَسَاجِدُ فِي أَيَّامِ شَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". وَقَالَ الْحَسَنُ: "يُدْفَعُ عَنْ هَدْمِ مُصَلَّيَاتِ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِالْمُؤْمِنِينَ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ الْمَذْكُورَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ تُهْدَمَ عَلَى مَنْ كَانَ لَهُ ذِمَّةٌ أَوْ عَهْدٌ مِنْ الْكُفَّارِ، وَأَمَّا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَجَائِزٌ لَهُمْ أَنْ يَهْدِمُوهَا كَمَا يَهْدِمُونَ سَائِرَ دُورِهِمْ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي أَرْضِ الصُّلْحِ إذَا صَارَتْ مِصْرًا لِلْمُسْلِمِينَ: "لَمْ يُهْدَمْ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ بِيعَةٍ أَوْ كَنِيسَةٍ أَوْ بَيْتِ نَارٍ، وَأَمَّا مَا فُتِحَ عَنْوَةً وَأُقِرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا بِالْجِزْيَةِ فَإِنَّهُ مَا صَارَ مِنْهَا مِصْرًا لِلْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُمْ يُمْنَعُونَ فِيهَا مِنْ الصَّلَاةِ فِي بِيَعِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ وَلَا تُهْدَمُ عَلَيْهِمْ وَيُؤْمَرُونَ بِأَنْ يَجْعَلُوهَا إنْ شَاءُوا بُيُوتًا مسكونة".
مطلب: في صحة إمامة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم
قَوْله تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ﴾ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذِهِ صِفَةُ الَّذِينَ أُذِنَ لَهُمْ فِي الْقِتَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا﴾ إلَى قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ إلَى قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ وَهَذِهِ صِفَةُ الْمُهَاجِرِينَ; لِأَنَّهُمْ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ إنْ مَكَّنَهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ، وَهُوَ صِفَةُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الَّذِينَ مَكَّنَهُمْ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ وَهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ رَضِيَ الله
مطلب: في صحة إمامة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم
قَوْله تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ﴾ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذِهِ صِفَةُ الَّذِينَ أُذِنَ لَهُمْ فِي الْقِتَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا﴾ إلَى قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ إلَى قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ وَهَذِهِ صِفَةُ الْمُهَاجِرِينَ; لِأَنَّهُمْ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ إنْ مَكَّنَهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ، وَهُوَ صِفَةُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الَّذِينَ مَكَّنَهُمْ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ وَهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ رَضِيَ الله