الْمَكْتُوبَاتِ فِي جَمَاعَةٍ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ مَبْنِيَّةٌ لِلْجَمَاعَاتِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَارٌ فِي وَعِيدِ تَارِكِ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ وَأَخْبَارٌ أُخَرُ فِي التَّرْغِيبِ فِيهَا، فَمِمَّا رُوِيَ مَا يَقْتَضِي النَّهْيَ عَنْ تَرْكِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يُجِبْ فَلَا صَلَاةَ لَهُ"، "وَقَوْلُهُ لِابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ حِينَ قَالَ لَهُ إنَّ مَنْزِلِي شَاسِعٌ فَقَالَ: هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: لَا أَجِدْ لَك عُذْرًا" وَقَوْلُهُ: "لَقَدْ هَمَمْت أَنْ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ ثُمَّ آمُرُ بِحَطَبٍ فَيُحْرَقَ عَلَى الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ الْجَمَاعَةِ بُيُوتُهُمْ" فِي أَخْبَارٍ نَحْوِهَا. وَمِمَّا رُوِيَ مِنْ التَّرْغِيبِ أَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ عَلَى صَلَاةِ الْفَذِّ بِخَمْسِ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، وَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَيُصَلُّونَ عَلَى الَّذِينَ يُصَلُّونَ فِي الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ، وَقَوْلُهُ: "بَشِّرْ الْمَشَّائِينَ فِي ظَلَامِ اللَّيْلِ إلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" وَكَانَ شَيْخُنَا أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ يَقُولُ: هُوَ عِنْدِي فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ كَغَسْلِ الْمَوْتَى وَدَفْنِهِمْ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ، مَتَى قَامَ بِهَا بَعْضُهُمْ سَقَطَ عن الباقين.
مطلب: في ستر العورة في الصلاة
قَوْله تَعَالَى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى فَرْضِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: "هِيَ فَرْضٌ فِي الصَّلَاةِ إنْ تَرَكَهُ مَعَ الْإِمْكَانِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ"، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ" "الصَّلَاةُ مُجْزِيَةٌ مَعَ كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَيُوجِبَانِ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ وَالْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ عِنْدَهُمَا اسْتِحْبَابٌ. وَدَلَالَةُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى فَرْضِ سِتْرِ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَمَّا قَالَ: ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ فَعَلَّقَ الْأَمْرَ بِالْمَسْجِدِ، عَلِمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ السَّتْرُ لِلصَّلَاةِ لَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ الْمَسْجِدِ فَائِدَةٌ، فَصَارَ تَقْدِيرُهَا: خُذُوا زِينَتَكُمْ فِي الصَّلَاةِ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ سَتْرَهَا عَنْ النَّاسِ لَمَا خَصَّ الْمَسْجِدَ بِالذِّكْرِ; إذْ كَانَ النَّاسُ فِي الْأَسْوَاقِ أَكْثَرَ مِنْهُمْ فِي الْمَسَاجِدِ، فَأَفَادَ بِذِكْرِ الْمَسْجِدِ وُجُوبَهُ فِي الصَّلَاةِ إذْ كَانَتْ الْمَسَاجِدُ مَخْصُوصَةً بِالصَّلَاةِ. وَأَيْضًا لَمَّا أَوْجَبَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَجَبَ بِظَاهِرِ الْآيَةِ فَرْضُ السَّتْرِ فِي الصَّلَاةِ إذَا فَعَلَهَا فِي الْمَسْجِدِ، وَإِذَا وَجَبَ فِي الصَّلَاةِ الْمَفْعُولَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَجَبَ فِي غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ فُعِلَتْ; لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَسْجِدَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِبَارَةً عَنْ السُّجُودِ نَفْسِهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ﴾ [الجن: ١٨] وَالْمُرَادُ السُّجُودُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ اقْتَضَتْ الْآيَةُ لُزُومَ السَّتْرِ عِنْدَ السُّجُودِ، وَإِذَا لَزِمَ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ لَزِمَ فِي سَائِرِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ; إذْ لَمْ يُفَرِّقْ أَحَدٌ بَيْنَهُمَا; رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُجَاهِدٍ وَطَاوُسٍ وَالزُّهْرِيِّ: أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقِيلَ إنَّهُمْ إنَّمَا كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً لِأَنَّ
مطلب: في ستر العورة في الصلاة
قَوْله تَعَالَى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى فَرْضِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: "هِيَ فَرْضٌ فِي الصَّلَاةِ إنْ تَرَكَهُ مَعَ الْإِمْكَانِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ"، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ" "الصَّلَاةُ مُجْزِيَةٌ مَعَ كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَيُوجِبَانِ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ وَالْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ عِنْدَهُمَا اسْتِحْبَابٌ. وَدَلَالَةُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى فَرْضِ سِتْرِ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَمَّا قَالَ: ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ فَعَلَّقَ الْأَمْرَ بِالْمَسْجِدِ، عَلِمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ السَّتْرُ لِلصَّلَاةِ لَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ الْمَسْجِدِ فَائِدَةٌ، فَصَارَ تَقْدِيرُهَا: خُذُوا زِينَتَكُمْ فِي الصَّلَاةِ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ سَتْرَهَا عَنْ النَّاسِ لَمَا خَصَّ الْمَسْجِدَ بِالذِّكْرِ; إذْ كَانَ النَّاسُ فِي الْأَسْوَاقِ أَكْثَرَ مِنْهُمْ فِي الْمَسَاجِدِ، فَأَفَادَ بِذِكْرِ الْمَسْجِدِ وُجُوبَهُ فِي الصَّلَاةِ إذْ كَانَتْ الْمَسَاجِدُ مَخْصُوصَةً بِالصَّلَاةِ. وَأَيْضًا لَمَّا أَوْجَبَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَجَبَ بِظَاهِرِ الْآيَةِ فَرْضُ السَّتْرِ فِي الصَّلَاةِ إذَا فَعَلَهَا فِي الْمَسْجِدِ، وَإِذَا وَجَبَ فِي الصَّلَاةِ الْمَفْعُولَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَجَبَ فِي غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ فُعِلَتْ; لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَسْجِدَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِبَارَةً عَنْ السُّجُودِ نَفْسِهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ﴾ [الجن: ١٨] وَالْمُرَادُ السُّجُودُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ اقْتَضَتْ الْآيَةُ لُزُومَ السَّتْرِ عِنْدَ السُّجُودِ، وَإِذَا لَزِمَ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ لَزِمَ فِي سَائِرِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ; إذْ لَمْ يُفَرِّقْ أَحَدٌ بَيْنَهُمَا; رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُجَاهِدٍ وَطَاوُسٍ وَالزُّهْرِيِّ: أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقِيلَ إنَّهُمْ إنَّمَا كَانُوا يطوفون بالبيت عراة لأن


الصفحة التالية
Icon