ومن سورة الشعراء

بسم الله الرحمن الرحيم

قَوْله تَعَالَى: ﴿وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ﴾ قَالَ: "الثَّنَاءُ الْحَسَنُ" فَالْيَهُودُ تُقِرُّ بِنُبُوَّتِهِ وَكَذَلِكَ النَّصَارَى وَأَكْثَرُ الْأُمَمِ. وَقِيلَ: اجْعَلْ مِنْ وَلَدِي مَنْ يَقُومُ بِالْحَقِّ وَيَدْعُو إلَيْهِ وَهُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِهِ.
وقَوْله تَعَالَى: ﴿إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ قِيلَ: إنَّمَا سَأَلَ سَلَامَةَ الْقَلْبِ; لِأَنَّهُ إذَا سَلِمَ الْقَلْبُ سَلِمَ سَائِرُ الْجَوَارِحِ مِنْ الْفَسَادِ، إذْ الْفَسَادُ بِالْجَوَارِحِ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ قَصْدٍ فَاسِدٍ بِالْقَلْبِ فَإِنْ اجْتَمَعَ مَعَ ذَاكَ جَهْلٌ فَقَدْ عَدِمَ السَّلَامَةَ مِنْ وَجْهَيْنِ. وَرَوَى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إنِّي لَأَعْلَمُ مُضْغَةً إذَا صَلُحَتْ صَلُحَ الْبَدَنُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَّا وَهِيَ الْقَلْبُ".
وقَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ إلى قوله: ﴿وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ﴾ أَخْبَرَ عَنْ الْقُرْآنِ بِأَنَّهُ تَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ فِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ; وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ بِهَذِهِ اللُّغَةِ فَهَذَا مِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ فِي أَنَّ نَقْلَهُ إلَى لُغَةٍ أُخْرَى لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قُرْآنًا لِإِطْلَاقِ اللَّهِ اللَّفْظَ بِأَنَّهُ فِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ مَعَ كَوْنِهِ فِيهَا بِغَيْرِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ.
وقَوْله تَعَالَى: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾ رَوَى سُفْيَانُ عَنْ سَلَمَةَ بْن كُهَيْلٍ عَنْ مجاهد في قوله: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾ قَالَ: "عُصَاةُ الْجِنِّ". وَرَوَى خُصَيْفٌ عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾ قَالَ: "الشَّاعِرَانِ يَتَهَاجَيَانِ فَيَكُونُ لِهَذَا أَتْبَاعٌ وَلِهَذَا أَتْبَاعٌ مِنْ الْغُوَاةِ، فَذَمَّ اللَّهُ الشُّعَرَاءَ الَّذِينَ صِفَتُهُمْ مَا ذُكِرَ وَهُمْ الَّذِينَ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَيَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَشَبَّهَهُ بِالْهَائِمِ عَلَى وَجْهِهِ فِي كُلِّ وَادٍ يَعِنُّ لَهُ لَمَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْهَوَى غَيْرَ مُفَكِّرٍ فِي صِحَّةِ مَا يَقُولُ وَلَا فَسَادِهِ وَلَا فِي عَاقِبَةِ أَمْرِهِ". وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وقتادة: ﴿فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ﴾ "فِي كُلِّ لَغْوٍ يَخُوضُونَ، يَمْدَحُونَ وَيَذُمُّونَ، يَعْنُونَ الْأَبَاطِيلَ". وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ "لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحَا. حَتَّى يَرِيهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا" وَمَعْنَاهُ الشِّعْرُ الْمَذْمُومُ الَّذِي ذَمَّ اللَّهُ قَائِلَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ; لِأَنَّهُ قَدْ
ومن سورة الشعراء

بسم الله الرحمن الرحيم

قَوْله تَعَالَى: ﴿وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ﴾ قَالَ: "الثَّنَاءُ الْحَسَنُ" فَالْيَهُودُ تُقِرُّ بِنُبُوَّتِهِ وَكَذَلِكَ النَّصَارَى وَأَكْثَرُ الْأُمَمِ. وَقِيلَ: اجْعَلْ مِنْ وَلَدِي مَنْ يَقُومُ بِالْحَقِّ وَيَدْعُو إلَيْهِ وَهُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِهِ.
وقَوْله تَعَالَى: ﴿إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ قِيلَ: إنَّمَا سَأَلَ سَلَامَةَ الْقَلْبِ; لِأَنَّهُ إذَا سَلِمَ الْقَلْبُ سَلِمَ سَائِرُ الْجَوَارِحِ مِنْ الْفَسَادِ، إذْ الْفَسَادُ بِالْجَوَارِحِ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ قَصْدٍ فَاسِدٍ بِالْقَلْبِ فَإِنْ اجْتَمَعَ مَعَ ذَاكَ جَهْلٌ فَقَدْ عَدِمَ السَّلَامَةَ مِنْ وَجْهَيْنِ. وَرَوَى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إنِّي لَأَعْلَمُ مُضْغَةً إذَا صَلُحَتْ صَلُحَ الْبَدَنُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَّا وَهِيَ الْقَلْبُ".
وقَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ إلى قوله: ﴿وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ﴾ أَخْبَرَ عَنْ الْقُرْآنِ بِأَنَّهُ تَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ فِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ; وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ بِهَذِهِ اللُّغَةِ فَهَذَا مِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ فِي أَنَّ نَقْلَهُ إلَى لُغَةٍ أُخْرَى لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قُرْآنًا لِإِطْلَاقِ اللَّهِ اللَّفْظَ بِأَنَّهُ فِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ مَعَ كَوْنِهِ فِيهَا بِغَيْرِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ.
وقَوْله تَعَالَى: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾ رَوَى سُفْيَانُ عَنْ سَلَمَةَ بْن كُهَيْلٍ عَنْ مجاهد في قوله: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾ قَالَ: "عُصَاةُ الْجِنِّ". وَرَوَى خُصَيْفٌ عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾ قَالَ: "الشَّاعِرَانِ يَتَهَاجَيَانِ فَيَكُونُ لِهَذَا أَتْبَاعٌ وَلِهَذَا أَتْبَاعٌ مِنْ الْغُوَاةِ، فَذَمَّ اللَّهُ الشُّعَرَاءَ الَّذِينَ صِفَتُهُمْ مَا ذُكِرَ وَهُمْ الَّذِينَ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَيَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَشَبَّهَهُ بِالْهَائِمِ عَلَى وَجْهِهِ فِي كُلِّ وَادٍ يَعِنُّ لَهُ لَمَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْهَوَى غَيْرَ مُفَكِّرٍ فِي صِحَّةِ مَا يَقُولُ وَلَا فَسَادِهِ وَلَا فِي عَاقِبَةِ أَمْرِهِ". وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وقتادة: ﴿فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ﴾ "فِي كُلِّ لَغْوٍ يَخُوضُونَ، يَمْدَحُونَ وَيَذُمُّونَ، يَعْنُونَ الْأَبَاطِيلَ". وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ "لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحَا. حَتَّى يَرِيهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا" وَمَعْنَاهُ الشِّعْرُ الْمَذْمُومُ الَّذِي ذَمَّ اللَّهُ قَائِلَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ; لِأَنَّهُ قَدْ


الصفحة التالية
Icon