وَمِنْ سُورَةِ فَاطِرٍ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رَوَى عِكْرِمَةُ قَالَ: "ذُكِرَ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْكَلْبُ وَالْحِمَارُ، فَقَرَأَ: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ فَمَا الَّذِي يَقْطَعُ هَذَا. "وَرَوَى سَالِمٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: "الْكَلِمُ الطَّيِّبُ يَرْفَعُهُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ".قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ الْحِلْيَةُ هَهُنَا اللُّؤْلُؤُ وَمَا يُتَحَلَّى بِهِ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ. وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمَرْأَةِ تَحْلِفُ أَنْ لَا تَلْبَسَ حُلِيًّا، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: "اللُّؤْلُؤُ وَحْدَهُ لَيْسَ بِحُلِيٍّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ ذَهَبٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ﴾ [الرعد: ١٧] وَهَذَا فِي الذَّهَبِ دُونَ اللُّؤْلُؤِ; إذْ لا توقد عليه". وقوله ﴿حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ إنَّمَا سَمَّاهُ حِلْيَةً فِي حَالِ اللُّبْسِ، وَهُوَ لَا يُلْبَسُ وَحْدَهُ فِي الْعَادَةِ إنَّمَا يُلْبَسُ مَعَ الذَّهَبِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ إطْلَاقَ لَفْظِ الْحِلْيَةِ عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ لَا يُوجِبُ حَمْلَ الْيَمِينِ عَلَيْهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً﴾ وَأَرَادَ بِهِ السَّمَكَ; وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ لَحْمًا فَأَكَلَ سَمَكًا لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً﴾ [نوح: ١٦] وَمَنْ حَلَفَ لَا يَقْعُدُ فِي سِرَاجٍ وَقَعَدَ فِي الشَّمْسِ لَا يَحْنَثُ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ فِيهِ الْإِبَانَةُ عَنْ فَضِيلَةِ الْعِلْمِ وَأَنَّ بِهِ يُتَوَصَّلُ إلَى خَشْيَةِ اللَّهِ وَتَقْوَاهُ; لِأَنَّ مَنْ عَرَفَ تَوْحِيدَ اللَّهِ وَعَدْلَهُ بِدَلَائِلِهِ أَوْصَلَهُ ذَلِكَ إلَى خَشْيَةِ اللَّهِ وَتَقْوَاهُ; إذْ كَانَ مَنْ لَا يَعْرِفُ اللَّهَ وَلَا يَعْرِفُ عَدْلَهُ وَمَا قَصَدَ لَهُ بِخَلْقِهِ لَا يَخْشَى عِقَابَهُ وَلَا يَتَّقِيهِ; وَقَوْلُهُ فِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة: ١١] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾ إلَى قَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾ [البينة: ٨] فَأَخْبَرَ أَنَّ خَيْرَ الْبَرِّيَّةِ مَنْ خَشِيَ رَبَّهُ، وَأَخْبَرَ فِي الْآيَةِ أَنَّ الْعُلَمَاءَ بِاَللَّهِ هُمْ الَّذِينَ يَخْشَوْنَهُ، فَحَصَلَ بِمَجْمُوعِ الْآيَتَيْنِ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ بِاَللَّهِ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ وَإِنْ كَانُوا عَلَى طَبَقَاتٍ فِي ذَلِكَ. ثُمَّ وَصَفَ أَهْلَ الْعِلْمِ بِاَللَّهِ الْمَوْصُوفِينَ بِالْخَشْيَةِ مِنْهُ فَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا
وَمِنْ سُورَةِ فَاطِرٍ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رَوَى عِكْرِمَةُ قَالَ: "ذُكِرَ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْكَلْبُ وَالْحِمَارُ، فَقَرَأَ: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ فَمَا الَّذِي يَقْطَعُ هَذَا. "وَرَوَى سَالِمٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: "الْكَلِمُ الطَّيِّبُ يَرْفَعُهُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ".قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ الْحِلْيَةُ هَهُنَا اللُّؤْلُؤُ وَمَا يُتَحَلَّى بِهِ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ. وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمَرْأَةِ تَحْلِفُ أَنْ لَا تَلْبَسَ حُلِيًّا، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: "اللُّؤْلُؤُ وَحْدَهُ لَيْسَ بِحُلِيٍّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ ذَهَبٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ﴾ [الرعد: ١٧] وَهَذَا فِي الذَّهَبِ دُونَ اللُّؤْلُؤِ; إذْ لا توقد عليه". وقوله ﴿حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ إنَّمَا سَمَّاهُ حِلْيَةً فِي حَالِ اللُّبْسِ، وَهُوَ لَا يُلْبَسُ وَحْدَهُ فِي الْعَادَةِ إنَّمَا يُلْبَسُ مَعَ الذَّهَبِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ إطْلَاقَ لَفْظِ الْحِلْيَةِ عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ لَا يُوجِبُ حَمْلَ الْيَمِينِ عَلَيْهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً﴾ وَأَرَادَ بِهِ السَّمَكَ; وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ لَحْمًا فَأَكَلَ سَمَكًا لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً﴾ [نوح: ١٦] وَمَنْ حَلَفَ لَا يَقْعُدُ فِي سِرَاجٍ وَقَعَدَ فِي الشَّمْسِ لَا يَحْنَثُ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ فِيهِ الْإِبَانَةُ عَنْ فَضِيلَةِ الْعِلْمِ وَأَنَّ بِهِ يُتَوَصَّلُ إلَى خَشْيَةِ اللَّهِ وَتَقْوَاهُ; لِأَنَّ مَنْ عَرَفَ تَوْحِيدَ اللَّهِ وَعَدْلَهُ بِدَلَائِلِهِ أَوْصَلَهُ ذَلِكَ إلَى خَشْيَةِ اللَّهِ وَتَقْوَاهُ; إذْ كَانَ مَنْ لَا يَعْرِفُ اللَّهَ وَلَا يَعْرِفُ عَدْلَهُ وَمَا قَصَدَ لَهُ بِخَلْقِهِ لَا يَخْشَى عِقَابَهُ وَلَا يَتَّقِيهِ; وَقَوْلُهُ فِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة: ١١] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾ إلَى قَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾ [البينة: ٨] فَأَخْبَرَ أَنَّ خَيْرَ الْبَرِّيَّةِ مَنْ خَشِيَ رَبَّهُ، وَأَخْبَرَ فِي الْآيَةِ أَنَّ الْعُلَمَاءَ بِاَللَّهِ هُمْ الَّذِينَ يَخْشَوْنَهُ، فَحَصَلَ بِمَجْمُوعِ الْآيَتَيْنِ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ بِاَللَّهِ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ وَإِنْ كَانُوا عَلَى طَبَقَاتٍ فِي ذَلِكَ. ثُمَّ وَصَفَ أَهْلَ الْعِلْمِ بِاَللَّهِ الْمَوْصُوفِينَ بِالْخَشْيَةِ مِنْهُ فَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا