وَنَحْوِ ذَلِكَ كَانَ مُظَاهِرًا; لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهِ كَالظَّهْرِ". وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ "قِيَاسُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنْ يَكُونَ مُظَاهِرًا بِكُلِّ شَيْءٍ مِنْ الْأُمِّ" وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ" إذَا قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَرَأْسِ أُمِّيِّ أَوْ كَيَدِهَا فَهُوَ مُظَاهِرٌ; لِأَنَّ التَّلَذُّذَ بِذَلِكَ مِنْهَا مُحَرَّمٌ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ نَصَّ اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَى حُكْمِ الظِّهَارِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: "أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي" وَالظَّهْرُ مِمَّا لَا يَسْتَبِيحُ النَّظَرَ إلَيْهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ سَائِرُ مَا لَا يَسْتَبِيحُ النَّظَرَ إلَيْهِ فِي حُكْمِهِ، وَمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَبِيحَ النَّظَرَ إلَيْهِ فَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى تَحْرِيمِ الزَّوْجَةِ بِتَشْبِيهِهَا بِهِ; إذْ لَيْسَ تَحْرِيمُهَا مِنْ الْأُمِّ مُطْلَقًا، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَصِحَّ الظِّهَارُ بِهِ; إذْ كَانَ الظِّهَارُ يُوجِبُ تَحْرِيمًا، وَأَيْضًا لَمَّا جَازَ لَهُ اسْتِبَاحَةُ النَّظَرِ إلَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ أَشْبَهَ سَائِرَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يَجُوزُ أَنْ يَسْتَبِيحَ النَّظَرَ إلَيْهَا مِثْلَ الْأَمْوَالِ وَالْأَمْلَاكِ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يُحَرِّمُهُ الظِّهَارُ، فَقَالَ الْحَسَنُ: "لِلْمُظَاهِرِ أَنْ يُجَامِعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ" وَقَالَ عَطَاءٌ: "يَجُوزُ أَنْ يُقَبِّلَ أَوْ يُبَاشِرَ; لأنه قال: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ " وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ الْوُقُوعُ نَفْسُهُ" وَقَالَ أَصْحَابُنَا: "لَا يَقْرَبُ الْمُظَاهِرُ وَلَا يَلْمِسُ وَلَا يُقَبِّلُ وَلَا يَنْظُرُ إلَى فَرْجِهَا لِشَهْوَةٍ حَتَّى يُكَفِّرَ". وَقَالَ مَالِكٌ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ: "لَا يَنْظُرُ إلَى شَعْرِهَا وَلَا صَدْرِهَا حَتَّى يُكَفِّرَ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَدْعُوهُ إلَى خَيْرٍ". وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: "يَأْتِيهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، وَإِنَّمَا نُهِيَ عَنْ الْجِمَاعِ". وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: "يَحِلُّ لَهُ فَوْقَ الْإِزَارِ كَالْحَائِضِ" وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: "يُمْنَعُ الْقُبْلَةَ وَالتَّلَذُّذَ احْتِيَاطًا".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَمَّا قَالَ تَعَالَى: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ كَانَ ذَلِكَ عُمُومًا فِي حَظْرِ جَمِيعِ ضُرُوبِ الْمَسِيسِ مِنْ لَمْسٍ بِيَدٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَأَيْضًا لما قال: ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ﴾ فَأَلْزَمَهُ حُكْمَ التَّحْرِيمِ لَتَشْبِيهِهِ بِظَهْرِهَا، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ التَّحْرِيمُ عَامًّا فِي الْمُبَاشَرَةِ وَالْجِمَاعِ كَمَا أَنَّ مُبَاشَرَةَ ظَهْرِ الْأُمِّ وَمَسَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ. وَأَيْضًا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ رَجُلًا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ وَاقَعَهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، قَالَ: "فَاعْتَزِلْهَا حَتَّى تُكَفِّرَ" ; وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ، وَقَالَ: "لَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تُكَفِّرَ"، وَذَلِكَ يَمْنَعُ الْمَسِيسَ وَالْقُبْلَةَ.
فِي ظِهَارِ الْمَرْأَةِ مِنْ زَوْجِهَا
قَالَ أَصْحَابُنَا: "لَا يَصِحُّ ظِهَارُ الْمَرْأَةِ مِنْ زَوْجِهَا"، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ وَالشَّافِعِيِّ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهَا
فِي ظِهَارِ الْمَرْأَةِ مِنْ زَوْجِهَا
قَالَ أَصْحَابُنَا: "لَا يَصِحُّ ظِهَارُ الْمَرْأَةِ مِنْ زَوْجِهَا"، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ وَالشَّافِعِيِّ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ صالح عن الحسن بن زياد أنها


الصفحة التالية
Icon