لِحَرٍّ وَلَا لِبَرْدٍ إذَا لَمْ يُوجَدْ أَسْبَابُهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَعَلَهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِ الظُّهْرِ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ أَوْقَاتِ الظُّهْرِ إلَى الضُّحَى، فَسَمَّاهُ الرَّاوِي ضُحًى; لِقُرْبِهِ مِنْهُ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتَسَحَّرُ: "تَعَالَ إلَى الْغَدَاءِ الْمُبَارَكِ" فَسَمَّاهُ غَدَاءً لِقُرْبِهِ مِنْ الْغَدَاءِ، وَكَمَا قَالَ حُذَيْفَةُ: تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ نَهَارًا وَالْمَعْنَى قَرِيبٌ مِنْ النَّهَارِ وَلَمَّا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الَّذِي يَلْزَمُ مِنْ الْفَرْضِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ، فَقَالَ قَائِلُونَ: "فَرْضُ الْوَقْتِ الْجُمُعَةُ وَالظُّهْرُ بَدَلٌ مِنْهَا" وَقَالَ آخَرُونَ: "فَرْضُ الْوَقْتِ الظُّهْرُ وَالْجُمُعَةُ بَدَلٌ مِنْهُ"، اسْتَحَالَ أَنْ يَفْعَلَ الْبَدَلَ إلَّا فِي وَقْتٍ يَصِحُّ فِيهِ فِعْلُ الْمُبْدَلِ عَنْهُ وَهُوَ الظُّهْرُ، وَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ وَقْتَهَا بَعْدَ الزَّوَالِ ثَبَتَ أَنَّ وَقْتَ النِّدَاءِ لَهَا بَعْدَ الزَّوَالِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ.
وقَوْله تَعَالَى: ﴿فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ قَرَأَ عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَأُبَيٌّ وَابْنُ الزُّبَيْرِ: "فَامْضُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ"; قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَوْ قَرَأْت: "فَاسْعَوْا" لَسَعَيْت حَتَّى يَسْقُطَ رِدَائِي قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ التَّفْسِيرَ لَا نَصَّ الْقِرَاءَةِ، كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لِلْأَعْجَمِيِّ الَّذِي كَانَ يُلَقِّنُهُ: ﴿إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ الدخان طَعَامُ الْأَثِيمِ﴾ [الدخان: ٤٤، ٤٣] فَكَانَ يَقُولُ طَعَامُ الْيَتِيمِ"، فَلَمَّا أَعْيَاهُ قَالَ لَهُ طَعَامُ الْفَاجِرِ "، وَإِنَّمَا أَرَادَ إفْهَامَهُ الْمَعْنَى وَقَالَ الْحَسَنُ: "لَيْسَ يُرِيدُ بِهِ الْعَدْوَ، وَإِنَّمَا السَّعْيُ بِقَلْبِك وَنِيَّتِك". وَقَالَ عَطَاءٌ: "السَّعْيُ الذَّهَابُ" وَقَالَ عِكْرِمَةُ: "السَّعْيُ الْعَمَلُ". قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: فَاسْعَوْا أَجِيبُوا، وَلَيْسَ مِنْ الْعَدْوِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالسَّعْيِ هَهُنَا إخْلَاصُ النِّيَّةِ وَالْعَمَلِ، وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ السَّعْيَ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ وَلَمْ يَكُنْ مُرَادُهُ سُرْعَةَ الْمَشْيِ، مِنْهَا قَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا﴾ [الإسراء: ١٩] ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ﴾ [البقرة: ٢٠٥] ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: ٣٩]، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْعَمَلَ وَرَوَى الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَلَكِنْ ائْتُوهَا وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا"، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا وَاتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّهُ يَمْشِي إلَى الْجُمُعَةِ عَلَى هَيْنَتِهِ.
فَصْلٌ
وَاتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ مَخْصُوصَةٌ بِمَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا فِي غَيْرِهِ; لِأَنَّهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَجُوزُ فِي الْبَوَادِي وَمَنَاهِلِ الْأَعْرَابِ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: "هِيَ مَخْصُوصَةٌ بِالْأَمْصَارِ وَلَا تَصِحُّ فِي السَّوَادِ"، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ.
فَصْلٌ
وَاتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ مَخْصُوصَةٌ بِمَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا فِي غَيْرِهِ; لِأَنَّهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَجُوزُ فِي الْبَوَادِي وَمَنَاهِلِ الْأَعْرَابِ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: "هِيَ مَخْصُوصَةٌ بِالْأَمْصَارِ وَلَا تَصِحُّ فِي السَّوَادِ"، وَهُوَ قول الثوري وعبيد الله بن الحسن.


الصفحة التالية
Icon