ومن سورة المدثر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَإِبْرَاهِيمُ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: "لَا تُعْطِ عَطِيَّةً لِتُعْطَى أَكْثَرَ مِنْهَا". وَقَالَ الْحَسَنُ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: "لَا تَمْنُنْ حَسَنَاتِك عَلَى اللَّهِ مُسْتَكْثِرًا لَهَا فَيُنْقِصَك ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ". وَقَالَ آخَرُونَ: "لَا تَمْنُنْ بِمَا أَعْطَاك اللَّهُ مِنْ النُّبُوَّةِ وَالْقُرْآنِ مُسْتَكْثِرًا بِهِ الْأَجْرَ مِنْ النَّاسِ". وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا: "لَا تَضْعُفْ فِي عَمَلِك مُسْتَكْثِرًا لِطَاعَتِك". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هذه المعاني كلها يحتملها اللفظ، وجائز أن يَكُونَ جَمِيعُهَا مُرَادًا بِهِ، فَالْوَجْهُ حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ فِي سَائِرِ وُجُوهِ الِاحْتِمَالِ.وقَوْله تَعَالَى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ تَطْهِيرِ الثِّيَابِ مِنْ النَّجَاسَاتِ لِلصَّلَاةِ، وَأَنَّهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِي الثَّوْبِ النَّجِسِ; لِأَنَّ تَطْهِيرَهَا لَا يَجِبُ إلَّا لِلصَّلَاةِ. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَأَى عَمَّارًا يَغْسِلُ ثَوْبَهُ، فَقَالَ: "مِمَّ تَغْسِلُ ثَوْبَك"؟ فَقَالَ: مِنْ نُخَامَةٍ فَقَالَ: "إنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ الدَّمِ وَالْبَوْلِ وَالْمَنِيِّ". وَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَسْلِ الْمَنِيِّ مِنْ الثَّوْبِ إذَا كَانَ رَطْبًا. وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي رَزِينٍ قَالَ: "عَمَلُك أَصْلِحْهُ". وقال إبراهيم: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ مِنْ الْإِثْمِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَمَرَهُ أَنْ لَا يَلْبَسَ ثِيَابَهُ عَلَى عَذِرَةٍ، وَهَذَا كُلُّهُ مَجَازٌ لَا يَجُوزُ صَرْفُ الْكَلَامِ إلَيْهِ إلَّا بِدَلَالَةٍ; وَاحْتَجَّ هَذَا الرَّجُلُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَظُنَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُؤْمَرَ بِغَسْلِ ثِيَابِهِ مِنْ الْبَوْلِ وَمَا أَشْبَهَهُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَذَا كَلَامٌ شَدِيدُ الِاخْتِلَالِ وَالْفَسَادِ وَالتَّنَاقُضِ; لِأَنَّ فِي الْآيَةِ أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَجْرِ الْأَوْثَانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ هَاجِرًا لِلْأَوْثَانِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَبَعْدَهَا وَكَانَ مُجْتَنِبًا لِلْآثَامِ وَالْعَذِرَاتِ فِي الْحَالَيْنِ، فَإِذَا جَازَ خِطَابُهُ بِتَرْكِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ قَبْلَ ذَلِكَ تَارِكًا لَهَا فَتَطْهِيرُ الثِّيَابِ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ مِثْلُهُ; وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُخَاطِبًا لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ﴾ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إلَهًا قَطُّ; فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَنَاقُضِ قَوْلِ هَذَا الرَّجُلِ وَفَسَادِهِ. وَزَعَمَ أَنَّهُ مِنْ أَوَّلِ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الشَّرَائِعِ مِنْ وُضُوءٍ
ومن سورة المدثر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَإِبْرَاهِيمُ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: "لَا تُعْطِ عَطِيَّةً لِتُعْطَى أَكْثَرَ مِنْهَا". وَقَالَ الْحَسَنُ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: "لَا تَمْنُنْ حَسَنَاتِك عَلَى اللَّهِ مُسْتَكْثِرًا لَهَا فَيُنْقِصَك ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ". وَقَالَ آخَرُونَ: "لَا تَمْنُنْ بِمَا أَعْطَاك اللَّهُ مِنْ النُّبُوَّةِ وَالْقُرْآنِ مُسْتَكْثِرًا بِهِ الْأَجْرَ مِنْ النَّاسِ". وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا: "لَا تَضْعُفْ فِي عَمَلِك مُسْتَكْثِرًا لِطَاعَتِك". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هذه المعاني كلها يحتملها اللفظ، وجائز أن يَكُونَ جَمِيعُهَا مُرَادًا بِهِ، فَالْوَجْهُ حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ فِي سَائِرِ وُجُوهِ الِاحْتِمَالِ.وقَوْله تَعَالَى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ تَطْهِيرِ الثِّيَابِ مِنْ النَّجَاسَاتِ لِلصَّلَاةِ، وَأَنَّهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِي الثَّوْبِ النَّجِسِ; لِأَنَّ تَطْهِيرَهَا لَا يَجِبُ إلَّا لِلصَّلَاةِ. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَأَى عَمَّارًا يَغْسِلُ ثَوْبَهُ، فَقَالَ: "مِمَّ تَغْسِلُ ثَوْبَك"؟ فَقَالَ: مِنْ نُخَامَةٍ فَقَالَ: "إنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ الدَّمِ وَالْبَوْلِ وَالْمَنِيِّ". وَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَسْلِ الْمَنِيِّ مِنْ الثَّوْبِ إذَا كَانَ رَطْبًا. وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي رَزِينٍ قَالَ: "عَمَلُك أَصْلِحْهُ". وقال إبراهيم: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ مِنْ الْإِثْمِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَمَرَهُ أَنْ لَا يَلْبَسَ ثِيَابَهُ عَلَى عَذِرَةٍ، وَهَذَا كُلُّهُ مَجَازٌ لَا يَجُوزُ صَرْفُ الْكَلَامِ إلَيْهِ إلَّا بِدَلَالَةٍ; وَاحْتَجَّ هَذَا الرَّجُلُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَظُنَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُؤْمَرَ بِغَسْلِ ثِيَابِهِ مِنْ الْبَوْلِ وَمَا أَشْبَهَهُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَذَا كَلَامٌ شَدِيدُ الِاخْتِلَالِ وَالْفَسَادِ وَالتَّنَاقُضِ; لِأَنَّ فِي الْآيَةِ أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَجْرِ الْأَوْثَانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ هَاجِرًا لِلْأَوْثَانِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَبَعْدَهَا وَكَانَ مُجْتَنِبًا لِلْآثَامِ وَالْعَذِرَاتِ فِي الْحَالَيْنِ، فَإِذَا جَازَ خِطَابُهُ بِتَرْكِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ قَبْلَ ذَلِكَ تَارِكًا لَهَا فَتَطْهِيرُ الثِّيَابِ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ مِثْلُهُ; وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُخَاطِبًا لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ﴾ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إلَهًا قَطُّ; فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَنَاقُضِ قَوْلِ هَذَا الرَّجُلِ وَفَسَادِهِ. وَزَعَمَ أَنَّهُ مِنْ أَوَّلِ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ قَبْلَ كل شيء من الشرائع من وضوء