الْخُمُسَ فِيمَا صَارَ غَنِيمَةً لَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ وَهَذَا لَمْ يَصِرْ غَنِيمَةً لَهُمْ لِأَنَّ قَوْلَ الْأَمِيرِ فِي ذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى الْجَيْشِ، فَلَمَّا لَمْ يَصِرْ غَنِيمَةً لَهُمْ وَجَبَ أَنْ لَا خمس فيه.
مطلب: فيمن دخل دار الحرب مغيرا بغير إذن الإمام
وَاخْتُلِفَ فِي الرَّجُلِ يَدْخُلُ دَارَ الْحَرْبِ وَحْدَهُ مُغِيرًا بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا: "مَا غَنِمَهُ فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً وَلَا خُمُسَ فِيهِ حَتَّى تَكُونَ لَهُمْ مَنَعَةٌ". وَلَمْ يَحُدَّ مُحَمَّدٌ فِي الْمَنَعَةِ شَيْئَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: "إذَا كَانُوا تِسْعَةً فَفِيهِ الْخُمُسُ". وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ: "يُخَمِّسُ مَا أَخَذَهُ وَالْبَاقِي لَهُ". وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: "إنْ شَاءَ الْإِمَامُ عَاقَبَهُ وَحَرَمَهُ وَإِنْ شَاءَ خَمَّسَ مَا أَصَابَ وَالْبَاقِي لَهُ"
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَوْله تَعَالَى ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْغَانِمُونَ جَمَاعَةً; لِأَنَّ حُصُولَ الْغَنِيمَةِ مِنْهُمْ شَرْطٌ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ قَوْله تَعَالَى: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ [التوبة: ٥] وَ ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [التوبة: ٢٩] فِي لُزُومِ قَتْلِ الْوَاحِدِ عَلَى حِيَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ جَمَاعَةٌ إذَا كَانَ مُشْتَرِكًا; لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ بِقَتْلِ الْجَمَاعَةِ وَالْأَمْرُ بِقَتْلِ الْجَمَاعَةِ لَا يُوجِبُ اعْتِبَارَ الْجَمِيعِ; إذْ لَيْسَ فِيهِ شَرْطٌ، وقَوْله تَعَالَى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ﴾ فِيهِ مَعْنَى الشَّرْطِ، وَهُوَ حُصُولُ الْغَنِيمَةِ لَهُمْ وَبِقِتَالِهِمْ، فَهُوَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: إنْ كَلَّمْت هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةَ فَعَبْدِي حُرٌّ، أَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ وُجُودُ الْكَلَامِ لِلْجَمَاعَةِ وَلَا يَحْنَثُ بِكَلَامِ بَعْضِهَا. وَأَيْضًا لَمَّا اتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّ الْجَيْشَ إذَا غَنِمُوا لَمْ يُشَارِكْهُمْ سَائِرُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدُوا الْقِتَالَ وَلَمْ تَكُنْ مِنْهُمْ حِيَازَةُ الْغَنِيمَةِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمُغِيرُ وَحْدَهُ اسْتَحَقَّ مَا غَنِمَهُ، وَأَمَّا الْخُمُسُ فَإِنَّمَا يُسْتَحَقُّ مِنْ الْغَنِيمَةِ الَّتِي حَصَلَتْ بِظَهْرِ الْمُسْلِمِينَ وَنُصْرَتِهِمْ وَهُوَ أَنْ يَكُونُوا فِئَةً لِلْغَانِمِينَ، وَمَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ وَحْدَهُ مُغِيرًا فَقَدْ تَبَرَّأَ مِنْ نُصْرَةِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ عَاصٍ لَهُ دَاخِلٌ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ مِنْهُ الْخُمُسَ; وَلِذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا فِي الرِّكَازِ الْمَوْجُودِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ: لَمَّا كَانَ الْمَوْضِعُ مَظْهُورًا عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ وَجَبَ فِيهِ الْخُمُسُ وَلَوْ وَجَدَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَجِبْ فِيهِ الْخُمُسُ. وَإِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ خُمِّسَ مَا غَنِمَ; لِأَنَّهُ لَمَّا أَذِنَ لَهُ فِي الدُّخُولِ ضَمِنَ نُصْرَتَهُ وَحِيَاطَتَهُ، وَالْإِمَامُ قَائِمٌ مَقَامَ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ فَاسْتَحَقَّ لَهُمْ الْخُمُسُ. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُغِيرُونَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ جَمَاعَةً لَهُمْ مَنَعَةٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ فَهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالِ بِمَنْزِلَةِ السَّرِيَّةِ وَالْجَيْشِ، لِحُصُولِ الْمَنَعَةِ لَهُمْ وَلِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ إلَيْهِمْ بِإِخْرَاجِ الخمس من غنائمهم.
مطلب: فيمن دخل دار الحرب مغيرا بغير إذن الإمام
وَاخْتُلِفَ فِي الرَّجُلِ يَدْخُلُ دَارَ الْحَرْبِ وَحْدَهُ مُغِيرًا بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا: "مَا غَنِمَهُ فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً وَلَا خُمُسَ فِيهِ حَتَّى تَكُونَ لَهُمْ مَنَعَةٌ". وَلَمْ يَحُدَّ مُحَمَّدٌ فِي الْمَنَعَةِ شَيْئَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: "إذَا كَانُوا تِسْعَةً فَفِيهِ الْخُمُسُ". وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ: "يُخَمِّسُ مَا أَخَذَهُ وَالْبَاقِي لَهُ". وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: "إنْ شَاءَ الْإِمَامُ عَاقَبَهُ وَحَرَمَهُ وَإِنْ شَاءَ خَمَّسَ مَا أَصَابَ وَالْبَاقِي لَهُ"
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَوْله تَعَالَى ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْغَانِمُونَ جَمَاعَةً; لِأَنَّ حُصُولَ الْغَنِيمَةِ مِنْهُمْ شَرْطٌ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ قَوْله تَعَالَى: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ [التوبة: ٥] وَ ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [التوبة: ٢٩] فِي لُزُومِ قَتْلِ الْوَاحِدِ عَلَى حِيَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ جَمَاعَةٌ إذَا كَانَ مُشْتَرِكًا; لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ بِقَتْلِ الْجَمَاعَةِ وَالْأَمْرُ بِقَتْلِ الْجَمَاعَةِ لَا يُوجِبُ اعْتِبَارَ الْجَمِيعِ; إذْ لَيْسَ فِيهِ شَرْطٌ، وقَوْله تَعَالَى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ﴾ فِيهِ مَعْنَى الشَّرْطِ، وَهُوَ حُصُولُ الْغَنِيمَةِ لَهُمْ وَبِقِتَالِهِمْ، فَهُوَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: إنْ كَلَّمْت هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةَ فَعَبْدِي حُرٌّ، أَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ وُجُودُ الْكَلَامِ لِلْجَمَاعَةِ وَلَا يَحْنَثُ بِكَلَامِ بَعْضِهَا. وَأَيْضًا لَمَّا اتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّ الْجَيْشَ إذَا غَنِمُوا لَمْ يُشَارِكْهُمْ سَائِرُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدُوا الْقِتَالَ وَلَمْ تَكُنْ مِنْهُمْ حِيَازَةُ الْغَنِيمَةِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمُغِيرُ وَحْدَهُ اسْتَحَقَّ مَا غَنِمَهُ، وَأَمَّا الْخُمُسُ فَإِنَّمَا يُسْتَحَقُّ مِنْ الْغَنِيمَةِ الَّتِي حَصَلَتْ بِظَهْرِ الْمُسْلِمِينَ وَنُصْرَتِهِمْ وَهُوَ أَنْ يَكُونُوا فِئَةً لِلْغَانِمِينَ، وَمَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ وَحْدَهُ مُغِيرًا فَقَدْ تَبَرَّأَ مِنْ نُصْرَةِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ عَاصٍ لَهُ دَاخِلٌ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ مِنْهُ الْخُمُسَ; وَلِذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا فِي الرِّكَازِ الْمَوْجُودِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ: لَمَّا كَانَ الْمَوْضِعُ مَظْهُورًا عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ وَجَبَ فِيهِ الْخُمُسُ وَلَوْ وَجَدَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَجِبْ فِيهِ الْخُمُسُ. وَإِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ خُمِّسَ مَا غَنِمَ; لِأَنَّهُ لَمَّا أَذِنَ لَهُ فِي الدُّخُولِ ضَمِنَ نُصْرَتَهُ وَحِيَاطَتَهُ، وَالْإِمَامُ قَائِمٌ مَقَامَ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ فَاسْتَحَقَّ لَهُمْ الْخُمُسُ. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُغِيرُونَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ جَمَاعَةً لَهُمْ مَنَعَةٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ فَهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالِ بِمَنْزِلَةِ السَّرِيَّةِ وَالْجَيْشِ، لِحُصُولِ الْمَنَعَةِ لَهُمْ وَلِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ إلَيْهِمْ بِإِخْرَاجِ الخمس من غنائمهم.


الصفحة التالية
Icon