وَاجِبٍ عَلَى الْآكِلِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ حَالَ الِاصْطِيَادِ، وَالسَّائِلُونَ قَدْ كَانُوا مُسْلِمِينَ فَلَمْ يُبَحْ لَهُمْ الْأَكْلُ إلَّا بِشَرِيطَةِ التَّسْمِيَةِ; وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: ﴿فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ﴾ [الحج: ٣٦] يَعْنِي فِي حَالِ النَّحْرِ; لِأَنَّهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا﴾ [الحج: ٣٦] وَالْفَاء لِلتَّعْقِيبِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ حِينَ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صيد الْكَلْبِ، فَقَالَ: "إذَا أَرْسَلَتْ كَلْبَك الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ إذَا أَمْسَكَ عَلَيْك، وَإِنْ وَجَدَتْ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ وَقَدْ قَتَلَهُ فلا تأكله" فإنما ذكرت اسم الله على كَلْبِك وَلَمْ تَذْكُرْهُ عَلَى غَيْرِهِ وَقَدْ كَانَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ مُسْلِمًا، فَأَمَرَهُ بِالتَّسْمِيَةِ عَلَى إرْسَالِ الْكَلْبِ وَمَنَعَهُ الْأَكْلَ عِنْدَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ بِقَوْلِهِ: "فَلَا تَأْكُلُهُ فَإِنَّمَا ذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ عَلَى كَلْبِك". وَقَدْ اقْتَضَتْ الْآيَةُ النَّهْيَ عَنْ أَكْلِ مَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَالنَّهْيُ عَنْ تَرْكِ التَّسْمِيَةِ أَيْضًا. وَيَدُلُّ عَلَى تَأْكِيدِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى الْأَمْرَيْنِ مِنْ تَرْكِ التَّسْمِيَةِ وَمِنْ الْأَكْلِ وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ حَالُ تَرْكِهَا عَامِدًا; إذْ كَانَ النَّاسِي لَا يَجُوزُ أَنْ تَلْحَقُهُ سِمَةُ الْفِسْقِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَى عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أن النَّاسَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ الْأَعْرَابَ يَأْتُونَ بِاللَّحْمِ فَبِتْنَا عِنْدَهُمْ وَهُمْ حَدِيثُو عَهْدٍ بِكُفْرٍ لَا نَدْرِي ذَكَرُوا اسْمَ اللَّه عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ: "سَمُّوا عَلَيْهِ اللَّهَ وَكُلُوا"، فَلَوْ لَمْ تَكُنْ التَّسْمِيَةُ مِنْ شَرْطِ الذَّكَاةِ لَقَالَ: وَمَا عَلَيْكُمْ مِنْ تَرْكِ التَّسْمِيَةِ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: "كُلُوا" لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْجَوَازِ وَالصِّحَّةِ فَلَا تُحْمَلُ عَلَى الْفَسَادِ وَمَا لَا يَجُوزُ إلَّا بِدَلَالَةٍ
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ الْمُرَادُ تَرْكَ الْمُسْلِمِ التَّسْمِيَةَ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَنْ اسْتَبَاحَ أَكْلَهُ فَاسِقًا لقوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ فَلَمَّا اتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ التَّارِكَ لِلتَّسْمِيَةِ عَامِدًا غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ بِسِمَةِ الْفِسْقِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْمَيْتَةُ أَوْ ذَبَائِحُ الْمُشْرِكِينَ قيل له: ظاهر قوله: ﴿وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ عَائِدٌ عَلَى الْجَمِيعِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ وَقِيَامُ الدَّلَالَةِ عَلَى خُصُوصِ بَعْضِهِمْ غَيْرُ مَانِعٍ بَقَاءَ حُكْمِ الْآيَةِ فِي إيجَابِ التَّسْمِيَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي الذَّبِيحَةِ. وَأَيْضًا فَإِنَّا نَقُولُ: مَنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَامِدًا مَعَ اعْتِقَادِهِ لِوُجُوبِهَا هُوَ فَاسِقٌ. وَكَذَلِكَ مَنْ أَكَلَ مَا هَذَا سَبِيلُهُ مَعَ الِاعْتِقَادِ; لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ شَرْطِهَا فَقَدْ لَحِقَتْهُ سِمَةُ الْفِسْقِ، وَأَمَّا مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْمَيْتَةِ أَوْ ذَبَائِحِ أَهْلِ الشِّرْكِ دُونَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ فَاسِقًا لِزَوَالِهِ عِنْدَ حُكْمِ الْآيَةِ بِالتَّأْوِيلِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لَمَّا كَانَتْ التَّسْمِيَةُ ذِكْرًا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي اسْتِدَامَتِهِ وَلَا فِي انْتِهَائِهِ وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ وَاجِبًا فِي ابْتِدَائِهِ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَاسْتَوَى فِيهِ الْعَامِدُ وَالنَّاسِي. قِيلَ لَهُ:


الصفحة التالية
Icon