الأول: سبيل التطبيق من خلال القواعد
الثاني: سبيل استنباط القواعد من خلال التلقين.
ويمكن أن توصف السبيل الأولى بأنها طريقة استقرائية، والثانية بأنها طريقة استنتاجية. ففي الحال الأولى يتلقى القارئ عن الشيخ أصول كل قارئ وفرشه، ثم يبدأ بتطبيق هذه القواعد في الأداء كلما وردت نظائرها.
وتشبه هذه الحالة دراسة أصول الفقه أولاً ثم تحرير مسائل الفقه بعد ذلك.
أما في الحالة الثانية فإن القارئ يتلقى آيات القرآن، وفي كل آية يتلقى وجوه قراءتها، مع عزو كل قراءة إلى القارئ الذي أقرأ بها، وبعد ذلك يشتغل القارئ باستنباط مناهج القراء من خلال اختياراتهم.
وتشبه هذه الحال دراسة مسائل الفقه الإسلامي أولاً ثم تحرير أصول الأئمة في الاجتهاد والاستنباط من خلال اختياراتهم.
ويجري القراء في زماننا على الإقراء بالسبيل الأولى نظراً لسهولتها، ولكن تبقى مسائل كثيرة، واستطرادات متعددة لا سبيل إلى الإحاطة بها إلا عبر التلقين المتعاقب للنص القرآني.
المبحث الرابع: مصادر الإقراء في زماننا
جرى شيوخ القراءة منذ القرن التاسع الهجري وحتى زماننا على الإقراء من طريقين:
١ - الشاطبية والدرة.
٢ - طيبة النشر.
وكلاهما متن منظوم لمسائل اختلاف القراء وأصولهم وقواعدهم، يكلف طالب العلم بحفظ المتن أولاً ثم يستخرج دلالته في الأداء القرآني.
ولنشرع بتعريف كلٍ من الطريقين:
أولاً: طريق الشاطبية والدرة
الشاطبية هو الاسم الشائع لقصيدة: حرز الأماني ووجه التهاني في القراءات السبع، وهو نظم من ١١٧٣ بيتاً نظمه القاسم بن فيرة بن خلف بن أحمد الشاطبي الرعيني الأندلسي المتوفي سنة ٥٩٠ هـ والإمام الشاطبي من أعلام هذا الفن باتفاق، وقد جرى العلماء على اعتماد اختياره عن الأئمة السبعة بمثابة القول الراجح عن القراء والرواة من السبعة.
والقصيدة من البحر الطويل، تلتزم قافية واحدة هي اللام المروية بالألف، بدأها بالبسملة والصلاة على النبي - ﷺ - ثم بحمد الله سبحانه في إنعامه وفضله، ثم أتى على فضل قارئ في القرآن ومكانته فقال:
وقارئه المرضي قرَّ مثاله * كالاترُجِّ حاليه مُريحاً وموكِلا
هو المرتضى أمَّا إذا كان أُمَّةً * ويمَّمَه ظلُّ الرزانةِ قَنْقَلا
هو الحرُّ إن كان الحريَّ حوارياً * له بتحرِّيه إلى أن تنبَّلا
وتلتمس في الأبيات قدرة الشاطبي الأدبية والبلاغية التي وظفها أحسن توظيف في ضبط مسائل هذا الفن، وعزو قضاياه إلى رجاله من القراء والرواة، بشكل يقارب الإعجاز.
ثم بدأ بتسمية القراء الأئمة الذين اختارهم ابن مجاهد فذكر كل واحد منهم مع اثنين من رواته في نظم بديع، أورده هنا لحسن بيانه:
جزى الله بالخيرات عنَّا أَئِمَّةً * لنا نقلوا القرآن عذباً وسلسلا
فمنهم بدورٌ سبعةٌ قد توسطت * سماء العلى والعدلِ زهراً وكُمَّلا
لها شهبٌ عنها استنارت فنوَّرتْ * سوادَ الدَّجى حتى تفرَّقَ وانجلى
وسوف تراهم واحداً بعد واحدٍ * مع اثنين من أصحابه متمثِّلا
تخيَّرهم نُقَّادهم كلَّ بارعٍ * وليس على قرآنهِ متأكِّلا
فأما الكريم السِّرِّ في الطَّيبِ نافعٌ * فذاك الذي اختار المدينة منزلا


الصفحة التالية
Icon