يوم القيامة (يفصل) (٥٢٧) بينكم: يُفْصَل (٥٢٨) ـ يُفَصَّل (٥٢٩) ـ يَفْصِل (٥٣٠) ـ يُفَصِّل (٥٣١)
فإذا هم (يخصمون) (٥٣٢): (يَخْصِّمُون (٥٣٣) ـ يَخَصِّمون (٥٣٤) ـ يَخِصِّمون (٥٣٥) ـ يَخْصِمُون (٥٣٦).
بينما لا يمكن تحصيل الوجوه الآتية إلا من رسمين اثنين:
﴿جنات تجري من تحتها الأنهار﴾ (٥٣٧): وهي قراءة ابن كثير
﴿جنات تجري تحتها الأنهار﴾: وهي قراءة الباقين
﴿الذين اتخذوا مسجداً ضراراً﴾ (٥٣٨): وهي قراءة نافع وأبي عامر وجعفر.
﴿والذين اتخذوا مسجداً ضراراً﴾: وهي قراءة الباقين.
ويجب التنويه هنا أن التخالف الذي وقع بين المصاحف إنما وقع في تسعة وأربعين موضعاً فقط، وهي المواضع التي قمت بإحصائها في الفصل الخاص باختلاف
مصاحف الأمصار (٥٣٩)، وأردت من خلال ذلك التأكيد على أن هذا التخالف لم ينشأ من غفلة النساخ أو ذهول عنهم، بل هو تخالف مقصود أراد به عثمان رضي الله استيعاب سائر القراءات المتواترة التي أذن بها النبي - ﷺ - وتلقاها جمهور الصحابة عنهم بالتواتر.
ولكن يرد ثمة سؤال آخر: هل ابتليت الأمة بضياع هذه المواضع التسعة والأربعين بين عهد أبي بكر وعثمان حيث كانت الكتبة الأولى لا تؤدي هذه القراءات؟
والجواب على هذا الإشكال من وجهين:
الأول: إن كَتْبَة الصديق وإن لم نجزم بأنها مشتملة على الوجوه المذكورة لكن ذلك لم يؤثر على مبدأ إقرار الإقراء بها لسببين. السبب الأول: إن نسخة الصديق لم تكن متاحة لكل أحد، بل كانت وثيقة محفوظة مدخرة لما يأتي من الأيام حين يخشى أن تتفرق الأمة وقد جاء ذلك اليوم الموعود حين شرع عثمان رضي الله عنه بكتابة مصاحف الأمصار. والسبب الثاني: أن الوثيقة الثانية المشتملة على الرسم الآخر للمصحف كانت موجودة أيضاً لدى مجموعة الصديق التي انتقلت منه إلى عمر ثم إلى حفصة، حيث كان الصديق رضي الله عنه يجمع الوثائق التي كتبها الأصحاب بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي بلا ريب تتضمن سائر قراءاته (التي لا تخرج هذه القراءات المتواترة عنها.
ذلك أن الصديق رضي الله عنه يوم دعا الناس إلى جمع ما بأيديهم من الصحف اجتمع عنده قرآن كثير، فربما اجتمع من سورة الكهف أو يس مثلاً مئات النسخ، ومثلها السور التي كان الأصحاب يشتغلون بحفظها
وقراءتها كسورة يس والدخان والسجدة وغيرها من قصار السور، وربما اجتمع عنده من البقرة وآل عمران عشرات النسخ، ولا توجد آية في القرآن إلا اجتمع عند أبي بكر منها نسخ كثيرة، بل قد صرح الأصحاب أنه لم تعز عليهم إلا آية واحدة لم يجدوا منها إلا نسخة واحدة وهي آخر سورة التوبة، وقد أتينا على تفصيل ذلك نقلاً عن البخاري قبل قليل.
وهكذا فإن الروايات تظاهرت على التأكيد بوجود أكثر من وثيقة مكتوبة لكل آية من آي القرآن الكريم، بحسب ما كان يتلقى الأصحاب من النبي - ﷺ - وهذه الوثائق بمجموعها مشتملة على القراءات المتواترة التي قرأ بها المعصوم - ﷺ -.
الثاني: أن المتفق عليه لدى الأمة بمجموعها أن القرآن إنما يؤخذ بالتلقي والمشافهة، وأن الوثيقة المكتوبة ليست مرجعاً نهائياً لرواية القرآن، بل هي محض آلة مساعدة، وأن العمدة في القراءة والإقراء على النص المتلقَّى بالتواتر، وهذا كان يشمل سائر الوجوه المذكورة، وكان يتأيد بما بين يدي الصحابة من صحف كتبوها بحضرة النبي - ﷺ - فيها أيضاً تلك الوجوه.
وهكذا فإن علاقة تناوبية نشأت بين الرسم العثماني والقراءات المتواترة فقد خدم كل منهما الآخر، وتآزرا في ضبط الأداء القرآني.
ويمكن أن نستنتج مما قدمناه في هذا الفصل أن سائر القراءات المشروعة (٥٤٠) (المتواترة) كانت حاضرة في ذاكرة الحفاظ التي كانت تتلقى بأعلى درج التواتر وكانت حاضرة في الوثيقة الكتابية في جمع أبي بكر وصحف الصحابة من حوله، ثم في نسخ عثمان (بمجموعها) كما وزعها في الأمصار. (٥٤١)
------------
(٥٢٢) سورة الأحزاب آية ٨٥