٢٤ ـ حذيفة بن اليمان العبسي أبو عبد الله صحابي جليل يعد من الفاتحين الشجعان، ولاه عمر بن الخطاب على المدائن فتغلب على الفرس في نهاوند عام ٢٣ هـ وغزا همذان والري توفي بالمدائن عام ٣٦ هـ وقد وردت عنه الرواية في حروف القرآن رضي الله عن حذيفة وأرضاه (٤٩).
وتجب الإشارة هنا إلى أن ما روي عن الصحابة من اختيارات في القراءة مما لم يدرج في المتواتر فذلك ليس له حظ من القبول، ويحرم اعتقاد أنه من القرآن وهو على كل حال ليس إلا اختيارات لبعض الكلمات لا يجتمع منها بحال نص قرآني كامل، ويجب حمله على أحد الوجوه الثلاثة الآتية:
١ - الطعن في إسناد هذه الرواية، وهذا من باب تحصيل الحاصل، إذ القرآن لا يقبل إلا متواتراً، فما لم تندرج هذه الرواية في المتواتر فهي حكماً ليست من القرآن الكريم، والمتواتر كله مضبوط محفوظ مدون.
٢ - حمل ذلك على أن الصحابي أراد بذلك التفسير، فأدرجه في مصحفه أو لقنه للمتلقي على أنه تفسير للنص القرآني وليس جزءاً منه.
٣ - حمل ذلك على أنه وهم من الصحابي أو من الراوي المتلقي عنه، وأنه لا يقاوم الصحيح المروي عن الصحابي نفسه بأسانيد التواتر المحفوظة.
من الأمثلة على ذلك المردود ما أورده بعض علماء القراءات:
١ - روي عن علي رضي الله عنه: (يريد ينقاص) بدلاً من (يريد أن ينقض) (٥٠)
٢ - ونسب إليه أيضاً: (فمن خاف من موص حيفاً) بدلاً من (جنفاً) (٥١)
٣ - قرأ أبي بن كعب رضي الله عنه: (وغير الضالين) بدلاً من (ولا الضالين) (٥٢).
٤ - وقرأ أيضاً: (للذين يقسمون من نسائهم) بدلاً من (للذين يولون) (٥٣).
٥ - وقرأ ابن مسعود: (وكان عبد الله وجيهاً) بدلاً من (وكان عند الله) (٥٤).
فمثل هذه الروايات وغيرها وهي كثيرة ٥٥) لا تعتبر قرآناً بحال، وإنما يوردها المفسرون على أساس أنها منهج الصحابي في التفسير، وقد أعرض عنها بالطبع أئمة الرواية.
ويرد هنا سؤال: أين يمكننا أن نقف على معارف هؤلاء الصحابة الكرام في القراءة، وهل ثمة مصنفات تركوها نثروا فيها معارفهم، نتلمس فيها اختياراتهم؟
ثم قام الأستاذان الجليلان الدكتور أحمد مختار عمر والدكتور عبد العال سالم مكرم باستقصاء سائر هذه الروايات المتواترة والآحاد والشاذة والباطلة في موسوعة كبيرة تقع في تسع مجلدات أصدرتها انتشارات أسوة التابعة لمنظمة الحج والأوقاف والشؤون الخيرية في طهران، بمساعدة لجنة دعم البحث العلمي لكلية الآداب بالكويت.
والجواب أن ذلك يلتمس من طريقين:
أولاً: ما دونه علماء التفسير والرسم من اختيارات هؤلاء الصحابة الكرام، حيث كانوا يوردون ما قرأ به الصحابة يستعينون به على التفسير وإضاءة المعاني، ومن هذه المصنفات المصاحف لابن أبي داود السجستاني (٥٦)، والبحر المحيط لأبي حيان (٥٧)، وإملاء ما من به الرحمن للعكبري (٥٨)، وإعراب القرآن للنحاس (٥٩)، ومعاني القرآن للأخفش (٦٠)، ومعاني القرآن للقراء (٦١)، وغيث النفع للصفاقسي (٦٢) وحجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة (٦٣)، والتيسير للداني (٦٤)، والتبيان للطوسي (٦٥)، وإتحاف فضلاء البشر للدمياطي (٦٦) وغيرها.
والحق أنه لا يخلو كتاب من كتب التفسير أو الرسم من إشارات كثيرة لما قرأ به الصحابة الكرام من وجوه سمعوها من النبي - ﷺ -.
ثانياً: وهي الوثيقة الأهم، وهي تلقي الأئمة القراء من شيوخهم بالمشافهة، وهذه المشافهة التي بلغت أعلى درج التواتر لم تزل متصلة، يتلقاها الأبرار عن الأخيار، لا يرقى إليها الشك، ولا يتطرق إليها الوهم، وهي لدى العلماء اليوم متصلة مسندة، وكل قراءة منها تنتهي إلى صحابي كريم، ومن خلالها تستطيع أن تتبين اختيارات هذا الصحابي من قراءة النبي - ﷺ -، وهذه الأسانيد اليوم متوافرة متضافرة، منصوبة في صدور مجالس الإقراء، وسوف نأتي على إيراد بعض هذه الأسانيد في التلقي عن أكابر الصحابة في قسم الملاحق.