(ما تقول السادة العلماء أئمة الدين في القراءات العشر التي يُقرأ بها اليوم هل هي متواترة أو غير متواترة؟ وهل كل ما انفرد به واحد من العشرة بحرف من الحروف متواتر أم لا؟ وإذا كانت متواترة فما يجب على من جحدها أو حرفاً منها؟ )
فأجابني ومن خطه نقلت:
(الحمد لله، القراءات السبع التي اقتصر عليها الشاطبي، والثلاث التي هي قراءة أبي جعفر وقراءة يعقوب، وقراءة خلف متواترة معلومة من الدين بالضرورة، وكل حرف انفرد به واحد من العشرة معلوم من الدين بالضرورة أنه مُنزل على رسول الله - ﷺ - لا يكابر في شيء من ذلك إلاَّ جاهل وليس تواتر شيء منها مقصوراً على من قرأ بالروايات، بل هي متواترة عند كل مسلم يقول: أشهد أن لا إله إلاَّ الله، وأن محمداً رسول الله، ولو كان مع ذلك عامياً جلفاً لا يحفظ من القرآن حرفاً، ولهذا تقرير طويل، وبرهان عريض لا يسع هذه الورقة شرحه، وحظ كل مسلم وحقه أن يدين الله تعالى ويجزم بأن ما ذكرناه متواتر معلوم باليقين، لا يتطرق الظنون ولا الارتياب إلى شيء منه، والله أعلم (٢٠٥) ا. هـ
ومع ما أوردناه من تقرير ابن الجزري، فإنه يجب القول أنه أفرط في تسفيه رأي مخاصميه، وجزم بأن تواتر هذه القراءات الثلاث تتمة العشر حظي بإجماع المسلمين، وأن إنكار واحدة منها إنكار صريح للوحي المتنزل على المعصوم - ﷺ -، وأنكر أن يكون في المسلمين من لا يعتقد تواترها!..
ولا شك أن ذلك غير مُسَلَّم له في هذا الباب، وقد توافرت أقوال كثيرة عن السلف بخلاف ذلك، أقر بها إلى ما نحن فيه اختيار الشاطبي، ويمكن مطالعة عشرات الأقوال عن علماء القراءة التي تنص أنه ليس فوق السبع متواتر، وهي مبسوطة في الكتب التي أشرنا إليها فيما بين عصري ابن مجاهد وابن الجزري (٢٠٦).
وهكذا فإن أولى الآراء بالقبول هو ما حررناه من أن السبع متواترة، وأن الثلاث بعدها مختلف في تواترها، وأن الصحيح تواترها.
------------
(٢٠٤) تقريب النشر في القراءات العشر لابن الجزري جـ١ ص ٤٥
(٢٠٥) تقريب النشر في القراءات العشر ١/ ٤٥، ٤٦
(٢٠٦) انظر ص ٨٠ وما بعدها من هذا الكتاب.
المبحث الخامس: أسانيد القراءات العشر
ولنأخذ الآن في إيراد أسانيد القراءات السبع المتواترة، والثلاث المتممة للعشرة، ولا شك أن أسانيد هذه القراءات بلغت من التواتر حداً لا يحيط به حصر، ولكن يمكن قراءة بعض أسماء جماهير الصحابة والتابعين الذي أقرؤوا بكل واحدة من هذه القراءات.
وأنوه هنا بأنهم اصطلحوا أن المراد بأسانيد القراءات ما كان بين الأئمة وبين النبي صلى الله عليه وسلم، كما اصطلحوا على تسمية الوجه المختار من القراءة رواية، وتسمية ما كان بيننا وبين هؤلاء الرواة طريقاً.
ولا يخفى أن هذا محض اصطلاح جرى عليه المتأخرون، ولا ينفي ذلك أن بعض علماء القراءة لا يلتزمون ذلك، وربما أطلقوا الإسناد أو الطريق أو الرواية على كل واحد من هذه المراحل.
وأحيل هنا على ما قام به الباحثان الجليلان الدكتور أحمد مختار عمر والدكتور عبد العال سالم مكرم في معجم القراءات القرآنية (٢٠٧) فقد قاما باستقصاء ذلك من مظانه، وقدماه محرراً ميسراً.
------------
(٢٠٧) انظر معجم القراءات القرآنية جـ١ ص ٨١ وما بعدها.
١ - إسناد قراءة نافع:.
قرأ نافع على سبعين من التابعين منهم (٢٠٨):