التقسيم في علم القراءات ـ كما قدمنا ـ تقسيم حاسم، ليس فيه إلا بابان: المتواتر والشاذ، وليست فيه تلك السعة التي نراها في السنن كالمتواتر والمشهور والآحاد وكذلك التقسيم إلى متصل ومنقطع ومعضل، وغير ذلك.
فنحن هنا أمام إثبات نص قرآني أو نفيه، ولا نملك إزاء ذلك أكثر من القول بالثبوت أو عدم الثبوت.
وهكذا يمكن القول: إن كل قراءة لم يثبت تواترها فهي قراءة شاذة، وقد أعرضنا ـ كما رأيت ـ عن التسمية الشائعة على ألسنة العامة بقراءات الآحاد.
وقد قال ابن الجزري في هذا الباب جازماً:
وحيثما يختل شرطٌ أثبتِ * شذوذَه لو أنه في السبعةِ (٢١٠)
والشروط التي يعنيها ابن الجزري هنا هي ما سبق أن بيناها في باب تدوين القراءات السالف، وهي:
١ - أن يتواتر إسناداً من القارئ إلى النبي - ﷺ -.
٢ - أن يوافق الرسم القرآني في أحد المصاحف العثمانية.
٣ - أن يوافق العربية ولو بوجه.
وهذه القراءات الشاذة لم يدوَّن منها أصلاً إلا أربع قراءات وهي قراءة يحيى اليزيدي وابن محيصن والأعمش والحسن البصري، فيما بقيت القراءات الشاذة الأخرى غير مدونة أصلاً ولن يجتمع لك منها إلا بضع كلمات وردت في ثنايا كتب القراءات.
وقد سبقت ترجمة هؤلاء الأربعة (٢١١)، ومن المناسب أن أنوه هنا بأن شذوذ قراءاتهم لا يقلل من عظيم منزلتهم في العلم، وإنما هي مسألة إسناد، وقد سلَّم العلماء بمنزلتهم ومكانتهم، ولكن الآفة فيمن أسند عنهم، وفيمن أسندوا عنه.
وأضيف هنا ترجمة أشهر رواة هؤلاء الأئمة مختاراً راويين لكل إمام كما جرينا في ترجمة رواة العشرة.
راويا قراءة الحسن البصري: توفي ١١٠ هـ
ـ أبو نعيم البلخي: شجاع بن أبي نصر البلخي، ثقة كبير زاهد، قال فيه الإمام أحمد وقد سئل عنه: بخ بخ.. وأين مثله اليوم؟.. لم يدرك الحسن البصري إذ ولد عام ١٢٠ هـ أي بعد موت الحسن بعشر سنين، ولكن روى عنه بإسناد، توفي عام ١٩٠ هـ.
ـ أبو عمر حفص بن عمر الدوري: وهو راوية أبي عمرو البصري، سبقت ترجمته (٢١٢) ـ توفي ٢٤٦.
راويا قراءة الأعمش: توفي سنة ١٤٨ هـ
ـ المطوعي: الحسن بن سعيد المطوعي، رحل في البلاد ثم استقر في اصطخر، كان إماماً في القراءات متقناً لها، توفي عام ٣٧١ هـ.
وروايته عن الأعمش بإسناد إذ ولد بعد موته بنحو مائة وأربعين سنة.
ـ الشنبوذي: أبو الفرج محمد بن أحمد الشطوي الشنبوذي، كان من أئمة القراءة والمحدثين والمفسرين، وروايته عن الأعمش أيضاً بإسناد إذ ولد بعد موته بنحو مائة واثنين وخمسين سنة. ولد سنة ٣٠٠ وتوفي ٣٨٨ هـ.
راويا قراءة ابن محيصن: توفي ١٢٣ هـ.
ـ البزي: أبو الحسن أحمد بن محمد بن أبي بزة، سبقت ترجمته (٢١٣) إذ هو راوي ابن عامر ولم يرو عن ابن محيصن مباشرة وإنما روى عنه بإسناد، إذ كانت وفاته ٢٠٥ هـ.
ـ ابن شنبوذ: هو أبو الحسن محمد بن أحمد بن أيوب، كان يخالف الجمهور في قواعد قبول القراءة الصحيحة، فلا يشترط موافقتها للمصحف، ومع ذلك فلم يطعن أحد في عدالته ومنزلته، وقد نبغ في القراءة والتفسير.
توفي عام ٣٢٨ هـ، وبذلك فهو لم يرو مباشرة عن ابن محيصن.
راويا قراءة اليزيدي: توفي ٢٠٢ هـ.
ـ سليمان بن الحكم: أبو أيوب سليمان بن أيوب بن الحكم، قرأ على اليزيدي مباشرة، وقد عرف بلقب "صاحب البصري" لملازمته ليحيى اليزيدي، ولا يخفى أن يحيى اليزيدي هو أكبر أصحاب أبي عمرو البصري.
ـ أحمد بن فرح: نبغ في التفسير والقراءة، ولم يأخذ عن اليزيدي مباشرة بل قرأ عنه بإسناد وتوفي سنة ٣٠٣ هـ.


الصفحة التالية
Icon