سَمِعَهُ جِبريلٌ مِن اللهِ (١) وَسَمِعَهُ مُحمَّدٌ مِن جبريل (٢).

(١) جل وعلا، قال شيخ الإسلام: كما نص على ذلك أحمد، وغيره من الأئمة قال تعالى: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ﴾ فأخبر سبحانه أنه نزله روح القدس، وهو الروح الأمين كما قال تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ﴾ وقوله الأمين: دليل على أنه مؤتمن على ما أرسل به، لا يزيد فيه ولا ينقص.
... وهذا بيان لنزول جبريل به من الله، فإنه إذا كان روح القدس نزل بالقرآن العربي، لزم أن يكون نزله من الله، فلا يكون شيء منه، نزل من عين من الأعيان المخلوقة، ولا نزل من نفسه، وإذا كان روح القدس نزل به من الله، علم أنه سمعه من الله ولم يؤلفه هو، وهذا بيان من الله: أن القرآن الذي هو اللسان العربي المبين، سمعه روح القدس من الله؛ ولم يقل أحد من السلف أنه سمعه محمد من الله.
... ولو كان جبريل لم يسمعه من الله، وإنما وجده مكتوبا كانت العبارة عبارة جبريل وكان القرآن كلام جبريل، ترجم به عن الله، كما يترجم عن الأخرس الذي أكتب كلاما، ولم يقدر أن يتكلم به، وهذا خلاف دين المسلمين.
(٢) عليهما السلام قال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ﴾ وقال: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ﴾
أي: قرأه رسولنا ﴿فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾ فاستمع له وأنصت ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ أن نبينه بلسانك، وكان رسول الله - ﷺ - بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع، فإذا انطلق جبريل، قرأه كما قرأه جبريل وهو كقوله: ﴿نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَأِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ﴾ وقوله: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ﴾ ونحو ذلك.
... فإنه تعالى أضافه تارة إلى رسول من البشر، وتارة إلى رسول من الملائكة فقال: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ إلى قوله: ﴿تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ والرسول هنا: محمد - ﷺ - وقال: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ﴾ إلى قوله: ﴿إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ﴾ فالرسول هنا جبريل، وأضافه سبحانه إلى كل منهما باسم رسوله لأن ذلك يدل على أنه مبلغ له عن غيره، وأنه رسول فيه لم يحدث هو شيئا منه.
... قال الشيخ: ولم يقل أحد من السلف، إن جبريل أحدث ألفاظه ولا محمدا - ﷺ - ولا إن الله تعالى خلقه في الهوى أو غيره من المخلوقات، ولا إن جبريل أخذه من اللوح المحفوظ، بل هذه الأقوال، هي: من أقوال بعض الملحدين من الفلاسفة وغيرهم.


الصفحة التالية
Icon