حتى قال الوليد: إن لقوله لَحَلاوَةٌ وإنَّ عَلَيهِ لَطَلاوَةٌ (١) ومَن تَأَمَّلَ حُسنَهُ، وَبَديعَهُ، وبَيانُهُ، وَوُجوهَ مُخاطَباتِهِ: عَلِمَ أَنَّهُ مُعْجِزٌ من وجوه كثيرة (٢).

(١) أي: حسن، وبهجة وقال: إنه لمثمر أعلاه، أي يجتنيه من هداه الله، مغدق أسفله خصب عذب، وإنه ليعلو، ولا يعلى عليه، يعني: أن القرآن ليعلو كل كلام، ولا يعلى عليه من التركيب المعجز وأنه ليحطم ما تحته وأنه لمن كلام الله.
(٢) أي: ومن تأمل حسن كلام الله عز وجل، وجلاله وفضله، ففي الخبر: أن فضله على سائر الكلام، كفضل الله على خلقه وتأمل بديعه، وهو أنواع كثيرة، منها التمثيل، والتشبيه، والإيجاز والاتساع والإشارة وحسن النسق وائتلاف اللفظ مع المعنى والوعد والتخويف وغير ذلك.
... وتأمل بيانه، وفصاحته ووضوحه، وبلاغته وهي غاية المطلوب، أو غاية الممكن من المعاني، بأتم ما يكون من البيان وتأمل وجوه مخاطباته وقد عدها بعضهم أكثر من ثلاثين وجها، منها: خطاب العام، والمراد به الخصوص وعكسها وخطاب الجنس، والنوع والمدح والذم والتعجيز والتهييج والتحنن، والتحبب وغير ذلك: علم أنه معجز من وجوه كثيرة.
... قال الشيخ: وقد جعل بعضهم الوجوه، وهو اللفظ المشترك الذي يستعمل في عدة معان، كلفظ الآية، والنظائر وهي الألفاظ المتواطئة من أنواع معجزات القرآن، حيث كانت الكلمة الواحدة، تنصرف إلى عشرين وجها وأكثر وأقل ولا يوجد ذلك في كلام البشر.
... وقال ابن القيم: تأمل خطاب القرآن، تجد ملكا له الملك كله، وله الحمد كله، أزمة الأمور كلها بيده، ومصدرها منه وموردها إليه، مستويا على العرش، لا تخفى عليه خافية من أقطار مملكته، عالما بما في نفوس عبيده، مطلعا على أسرارهم، وعلانيتهم متفردا بتدبير الممكلة، ويسمع ويرى، ويعطي ويمنع، ويثيب ويعاقب، ويكرم ويهين ويخلق ويرزق، ويميت ويحيي ويقدر ويعفي ويدبر الأمور نازلة من عنده دقيقها وجليلها وصاعدة إليه، لا تتحرك ذرة إلا بإذنه ولا تسقط ورقة إلا بعلمه.
... فتأمل: كيف تجده يثني على نفسه، ويمجد نفسه ويحمد نفسه، وينصح عباده، ويدلهم على ما فيه سعادتهم، وفلاحهم ويرغبهم فيه، ويحذرهم مما فيه هلاكهم، ويتعرف إليهم بأسمائه وصفاته، ويتحبب إليهم بنعمه وآلائه ويحذرهم من نقمته ويذكرهم بما أعد لهم من الكرامة إن أطاعوه وما أعد لهم من العقوبة إن عصوه ويخبرهم بصنعه في أوليائه وأعدائه وكيف كان عاقبة هؤلاء وهؤلاء.
... ويثني على أوليائه بصالح أعمالهم وأحسن أوصافهم ويذم
أعداءه بسيئ أعمالهم، وقبيح صفاتهم، ويضرب الأمثال، وينوع الأدلة والبراهين، ويجيب عن شبه أعدائه أحسن الأجوبة، ويصدق الصادق، ويكذب الكاذب، ويقول الحق ويهدي السبيل.
... ويدعو إلى دار السلام، ويذكر أوصافها، وحسنها ونعيمها، ويحذر من دار البوار، ويذكر عذابها، وقبحها وآلامها ويذكر عباده فقرهم إليه وشدة حاجتهم إليه من كل وجه، وأنهم لا غناء لهم عنه طرفة عين، ويذكرهم غناءه عنهم وعن جميع الموجودات وأنه الغني بنفسه عن كل ما سواه وكل ما سواه فقير إليه، وأنه لا ينال أحد ذرة من الخير فما فوقها، إلا بفضله ورحمته ولا ذرة من الشر فما فوقها إلا بعدله وحكمته.
... وتشهد من خطابه، عتابه أحبابه ألطف عتاب، وأنه مع ذلك مقيل عثراتهم، وغافر زلاتهم، ومقيم أعذارهم، ومصلح فسادهم، الدافع عنهم، والحامي عنهم، والناصر لهم والكفيل بمصالحهم، والمنجي لهم من كل كرب، والموفي لهم بوعده، وأنه وليهم الذي لا ولي لهم سواه، فهو مولاهم الحق وينصرهم على عدوهم، فنعم المولى ونعم النصير.
... وذكر غيره وجوها، منها: مواضع نزوله، والناسخ والمنسوخ والعام والخاص، والأمر، والنهي والوعد والوعيد والحدود، والأحكام، والأعذار، والإنذار والحجة، والاحتجاج، والمواعظ، والأمثال.


الصفحة التالية
Icon