ج- هذه الروايات تخالف المتواتر عن عثمان -رضى الله عنه - فى نسخ المصاحف، وجمع القرآن من الدقة والتحرى ونهاية التثبت، بل يردها ما أخرجه أبو عبيد نفسه عن عبدالله بن هانئ البربرى مولى عثمان قال: كنت عند عثمان وهم يعرضون المصاحف، فأرسلنى بكتف شاه إلى أبى بن كعب فيها (لم يتسن) وفيها (لا تبديل للخلق) وفيها (فأمهل الكافرين) قال: فدعا بالدواء فمحى أحد اللامين فكتب (لخلق الله)(١) ومحا فأمهل وكتب (فمهّل)(٢) وكتب (لم يتسنه)(٣) ألحق فيها الهاء.(٤)
كيف يتفق ما جاء فى الرواية التى نقدناها، مع هذه الرواية الثانية التى تصف عثمان - رضى الله عنه - بالدقة فى مراجعة ما كان يكتبه النساخ وتصحيح ما كانوا يخطئون فيه وأنه لم يترك هذه الأخطاء لتقيمها العرب كما تقول الرواية الواهية.
د - وعلى فرض صحة هذه الآثار، فكلمة "لحن" فيها لا يقصد بها المعنى المعروف للحن وهو الخروج على قواعد النحو، وإنما يعنى بها كما يقول العلماء: القراءة واللغة والوجه، كما ورد عن عمر قوله: أبى اقرؤنا وإنا لندع بعض لحنه - أى قراءته -.(٥)
ويذكر السيوطى أن قول عثمان - إن صح - فإنما ينصرف إلى كلمات كتبت على هيئة مخصوصة، ورسم معين يخالف النطق مثل (لا اذبحنه) فى سورة النمل (آية: ٢١)، ومثل (بأييد) فى سورة الذاريات (آية: ٤٧) فإنها كتبت بياءين.
يقول السيوطى: فلو قرئ ذلك بظاهر الخط لكان لحناً.(٦) فهذا معنى قول عثمان - رضى الله عنه - إن به لحناً ستقيمه العرب بألسنتها، فهو أشبه بالتنبيه إلى ضرورة أن يؤخذ القرآن الكريم عن طريق التلقين والمشافهة، بواسطة شيخ، وألا يكون الاعتماد فقط على كتابة المصحف، فإنه كتب على هيئة مخصوصة تخالف النطق فى أكثر الأحيان.

(١) سورة الروم : ٣٠
(٢) سورة الطارق: ١٧
(٣) سورة البقرة : ٢٥٩
(٤) الإتقان -١/١٨٤
(٥) مناهل العرفان - ١/٣٨٧، رسم المصحف - ١٣٥.
(٦) الإتقان - ١/١٨٤.


الصفحة التالية
Icon