هذه الآية تنفى عن القرآن الكريم التناقض فى معانيه ومبانيه، أما من جهة المعنى، فلا تجد آية تثبت معنى تنقضه آية سواها، ولا يَرِد على ذلك الناسخ والمنسوخ، فإن ذلك ليس من التناقض ولا من الاختلاف فى شئ ؛ لأن النسخ رفع لحكم، وإثبات لآخر، فالباقى إذن حكم واحد هو المحصلة النهائية، فليس ثمت ما يعارضه، ولا يرد على ذلك أيضاً موهم الاختلاف، فإنه متناقض فى نظر من لا نظر له، لكن عند التدبر يتم التوفيق والالتئام، ولا يرد على ذلك أيضاً الاختلاف بين قراءاته، فهو اختلاف تلازم وتنوع، وليس اختلاف تضاد وتناقض، ولذلك فإن القراء لم يعترض بعضهم على بعض، فالكل صحيح ما دام مستوفياً لشروطه، كما سيأتى ذلك فى محله إن شاء الله تعالى.
وأخيراً لا يرد على ذلك الاختلاف حول تفسيره، أو وجوه إعرابه، أو معانى لغاته ؛ لأن ذلك ليس اختلاف فى القرآن، بل هو اختلاف فى كلام البشر عن القرآن.
والفرق بين القرآن والتفسير، تماماً كالفرق بين الخالق والمخلوق.
وقد سئل الإمام الغزالى عن معنى قوله تعالى: ((ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً)) فأجاب بما صورته:
الاختلاف لفظ مشترك بين معان، وليس المراد نفى اختلاف والناس فيه، بل نفى الاختلاف عن ذات القرآن. يقال هذا كلام مختلف فيه، أى: لا يشبه أوله آخره فى الفصاحة، إذ هو مختلف، أى: بعضه يدعو إلى الدين، وبعضه يدعو إلى الدنيا، أو هو مختلف النظم فبعضه على وزن الشعر، وبعضه منزحف، وبعضه على أسلوب مخصوص فى الجزالة، وبعضه على أسلوب يخالفه.
وكلام الله منزه عن هذه الاختلافات، فإنه على منهاج واحد فى النظم مناسب أوله آخره، وعلى مرتبة واحدة فى غاية الفصاحة، فليس يشتمل على الغث والسمين، ومسوق لمعنى واحد، وهو دعوة الخلق إلى الله تعالى، وصرفهم عن الدنيا إلى الدين. أ. هـ (١)