ويتأيد هذا الرأى بما ورد من أن النبى - ﷺ - توضأ من مزادة مشرك ولم يغسلها، واستعار من صفوان دروعاً ولم يغسلها، وكانت القصاع تختلف من بيوت أزواج النبى - ﷺ - إلى الأسارى ولا تغسل، وكان أصحاب النبى - ﷺ - يطبخون فى أوانى المشركين ولا تغسل. (١)
هذا مثال واضح لاختلاف الروايات عن النبى - ﷺ - وعن السلف الذى ينتج عنه اختلاف المفسرين.
كون اختلاف القراءات من
أسباب الخلاف بين المفسرين
تناول ابن جزى- كما علمت - فى مقدمة تفسيره التسهيل لعلوم التنزيل (٢) أسباب الخلاف بين المفسرين، وكان أول سبب ذكره هو اختلاف القراءات. وكذا ذكره الشاطبى فى الموافقات (٣)
ويتصور ذلك فى الآية التى ترد بقراءتين أو أكثر فإن ذلك يترتب عليه أن تتعدد الآراء فى تفسيرها تبعاً لتعدد هذه القراءات ؛ لأن هذه القراءات كثيراً ما تضيف معانى جديدة مما ليس موجوداً فى غيرها من القراءات الواردة فى نفس الآية، فيترتب على ذلك أن يتناول بعض المفسرين الآية من خلال قراءة معينة، بينما يتناولها غيرهم من خلال قراءة أخرى فيحدث الخلاف. هذا جانب من جوانب سوف تعرفها خلال المباحث القادمة من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
وننبه هنا إلى أن هذه القراءات التى تحدث تعدداً واختلافاً فى الأوجه التفسيرية، قد لا تكون فى درجة واحدة فى بعض الأحيان، كأن يكون بعضها متواتراً وبعضها شاذاً، كما أنها تكون فى كثير من الأحيان فى درجة واحدة من التواتر، ولكل حالة من هاتين الحالتين حكمها الخاص وقواعدها التى تضبط تعامل المفسرين معها.
وبناءً عليه فإن صور الخلاف بين القراءات هى كالآتى: (٤)
(٢) التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزى - ١/١٢.
(٣) الموافقات للشاطبى - ٤/١٢٠.
(٤) هذه الصور أفردت لها المبحث الثانى من هذا الكتاب.