أقول إذا كان هذا الاختلاف غير معتبر، فإن الخلاف الناشئ عنها -أى عن الثابتة منها - غير معتبر كذلك ولسوف يبين لك فيما هو آت تعدد القراءات لم يخل فقط من التناقض والاختلاف بالمعنى المفهوم، كما لم يكن أيضاً سبباً فى حدوث ذلك بين المفسرين بالمعنى المتبادر إلى الذهن كذلك، بل كان سبباً فى إثراء التفسير من جهة كون تعدد القراءات يساعد على إيضاح المعنى حين تبين قراءة عن معنى قراءة أخرى، وكذلك بما تضيفه هذه القراءات من معان جديدة وغير ذلك مما قد ذكر سلفاً من فوائد تعدد القراءات واختلافها، ومما سوف يأتى إن شاء الله أثناء ذكر صور اختلاف القراءات وضوابط التعامل معها ومع الأقوال التفسيرية الناشئة عنها.
وحاصل هذه الصورة فيما يتعلق بما لا يعتد به من اختلاف المفسرين، إن اختلاف المفسرين بسبب القراءات غير معتبر، لكون الاختلاف بين القراءات نفسها غير معتبر، بل أن لذلك فوائده المذكورة فى مواضعها من هذا البحث.
الصورة السادسة:
أن يذكر أحد المفسرين أقوالاً فى تفسير آية، هذه الأقوال جميعها يحتملها نص الآية، ولا دليل لقول واحد منها يبعث على ترجيحه على غيره.
فى هذه الحالة نحمّل الآية جميع هذه الوجوه كتفسير لها، حيث لا مانع يمنع من ذلك، ولا مرجح لرأى منها، ولا نعد ذلك خلافاً ما دام النص القرآنى قد ضم هذه الأقوال المفسرة جميعها بين شاطئيه.
وهذه الصورة موجودة بوفرة فى كتب التفسير، ونستطيع أن نصور لها هنا مثالاً هو تفسير العلماء لقوله تعالى: ((وللرجال عليهن درجة)) (١)، نقل ابن عطية فى المحرر الوجيز أقوالاً متعددة فى تفسير الدرجة التى جعلها الله للرجال على النساء.
فنقل عن مجاهد وقتادة، قالا: ذلك تنبيه على فضل حظه على حظها فى الجهاد والميراث وما أشبهه.
وقال زيد بن أسلم وابنه: ذلك فى الطاعة عليها أن تطيعه وليس عليه أن يطيعها.