ولذلك وقع خلاف بين العلماء حول اشتراط التتابع وعدمه متأثراً هذا الخلاف بمدى اعتبار هذه القراءة أو عدم اعتبارها. فمن اعتبرها قال بوجوب التتابع وهم الأحناف والحنابلة (١)، وأما الشافعية والمالكية، فإنهم لا يشترطون التتابع ؛ لأنهم لا يعتبرون حجية القراءة الشاذة - وإن صح سندها -.
قال ابن العربى: قال مالك والشافعى: يجزئ التفريق، وهو الصحيح، -والكلام لابن العربى- إذ التتابع صفة لا تجب إلا بنص أو قياس على منصوص، وقد عدما فى مسألتنا. (٢)
والراجح هنا رأى الأحناف والحنابلة فى اشتراط التتابع لكونه ماضياً مع القاعدة التى يقبلها العقل السليم، إذ لا اقل من أن تنزل القراءة الصحيحة السند، منزلة الحديث الصحيح - الذى هو خبر آحاد- وإن خالفت العربية أو الرسم العثمانى.
قال ابن كثير: وهذه - أى قراءة ابن مسعود - إذا لم يثبت كونها قرآناً متواتراً، فلا أقل من أن تكون خبر واحد، أو تفسيراً للصحابة وهو فى حكم المرفوع. (٣) ولهذا اعتبرها العلماء مقيدة لمطلق الصوم فى كفارة اليمين. (٤)
الصورة الرابعة
الخلاف حول اشتراط التواتر فى قبول القراءة أو عدمه
وكذلك فى محلها وترتيبها
مسألة اشتراط التواتر أو عدمه فى قبول القراءة بحثت بحثاً مستفيضاً فى كتب القراءات وعلوم القرآن. وحاصل ما ذكر فيها أن العلماء اختلفوا فيما بينهم هل يشترط فى قبول القراءة التواتر، أم يكفى فيها أن تكون صحيحة مشهورة، فتحصل من ذلك قولان:
(٢) أحكام القرآن لابن العربى - ٢/١٦٢.
(٣) تفسير ابن كثير - ٢/٩١.
(٤) فتح القدير - ٢/٩١، والتعارض والترجيح - ٢/٦٨، و أنظر: فى احتجاج العلماء بالقراءة الشاذة وترتيب الأحكام عليها "أثر القراءات فى الفقه الإسلامى - ص٣٥٩: ٤٠٥"