وقد جزم كل قراء مكة والكوفة بأنها آية من الفاتحة ومن كل سورة، وخالفهم قراء المدينة والبصرة والشام فلم يجعلوها آية لا من الفاتحة ولا من غيرها من السور، وقالوا: إنما كتبت للفصل والتبرك (١) ومن القراء السبعة الذين عدوها آية من بداية كل سورة ابن كثير. (٢)
وقال الكافيجى: اعلم أن القرآن يجب أن يكون متواتراً فى أصله وأجزائه بالاتفاق، وأما تواتره فى محله ووضعه أى فى إثباته وترتيبه، فهو مختلف فيه، لكن المختار عند المحققين من علماء السنة والجماعة أنه يجب أن يكون متواتراً فى هذه الثلاثة أيضاً، فيتفرع على هذا الاختلاف فى أن البسملة هل هى من القرآن؟
فمن شرط أن يكون متواتراً فى محله حكم بأنها ليست من القرآن لعدم تواترها فى أوائل السور على أنها فيها من القرآن، وإن تواترت كتابةً فيها وتلاوة على الألسن، ولهذا حكم بأن البسملة التى فى أثناء سورة النمل من القرآن بالاتفاق.
ومن اكتفى فى البسملة بتواترها فى أوائل السور وإن لم يتواتر فيها على أنها من القرآن، حكم بأنها فيها من القرآن، لكن لا يخفى عليك أن مطلق التواتر أعم من تواتر القرآن، فلابد فى تواترها فيها من التقييد بكونها من القرآن حتى يتم التقريب. (٣)
هذا كلام نفيس اشتمل على تصوير الخلاف وسببه.
اختلاف الفقهاء حول اعتبارها آية أو عدم اعتبارها:
كما اختلف القراء حول البسملة -من حيث اعتبارها آية من كل سورة وكذلك من سورة الفاتحة أو عدم اعتبارها - اختلف كذلك الفقهاء وتحصل من ذلك قولان أيضاً:
(٢) وهذا الرأى أيضاً رواية قالون عن نافع، وطريق الأصبهانى عن ورش وطريق صاحب الهادى عن أبى عمرو - أنظر: المهذب -١/٢٥، وإتحاف فضلاء البشر - ص٢٦، ١٦٠، ومناهل العرفان - ١/٤٥٣.
(٣) التيسير فى قواعد التفسير - ص٣٧.