وهنا أنبه على أن كل ذلك قبيح أو أقبح فى حق من اختار الوقف، ولا يدخل فى ذلك من اضطر إلى الوقف بسبب انقطاع النفس أو نسيان ونحوه، فإن على القارئ حينئذٍ أن يرجع إلى موضع يجوز الابتداء به وصولاً إلى موضع يجوز الوقف عليه، وبذلك يكون الكلام قد انتهى عن الوقف واقسامه.
الابتداء ومراتبه
مضى تعريف الابتداء وأنه: الشروع فى القراءة بعد قطع أو وقف. وإذا كان الذكر قد سبق بأن الوقف لا يكون إلا على ما يتم به المعنى ويوفى بالمقصود، فإن الابتداء كذلك أيضاً لا يجوز أن يبتدأ إلا بما هو مستقل المعنى، بل إن هذا الشأن فى الابتداء آكد واشد إلزاماً ؛ لأن الابتداء يكون باختيار القارئ لا تلجئه إليه ضرورة كما هو الحال فى الوقف أحياناً.
وتتفاوت مراتب الابتداء تماماً كتفاوت مراتب الوقف من حيث التمام والكفاية والحسن والقبح. والقبيح منه يتفاوت فى القبح ما بين قبيح وأقبح وذلك كمن يقف على قوله تعالى: ((لقد كفر الذين قالوا)) ثم يستأنف ((إن الله ثالث ثلاثة)) أو ((إن الله هو المسيح ابن مريم)) وقد مضت الإشارة إلى ذلك قريباً، ويلحق بذلك أيضاً من وقف على قوله تعالى: ((لقد سمع الله قول الذين قالوا)) ثم يستأنف ((إن الله فقير ونحن أغنياء)) (١) أو كمن يقف مضطراً على قوله تعالى: (( وما لى )) ثم يستأنف ((لا أعبد الذى فطرنى)) (٢) ونحو ذلك مما أفاض فى التمثيل له العلماء كالسيوطى والصفاقسى.
وتفاوت مراتب الوقف هذه إنما مرجعه إلى المعنى، فما يكون مؤدياً لمعنى جديد مستأنف هو الذى يكون الابتداء به فى أرقى درجاته وهلم جرا.
قال السيوطى: لا يجوز - الابتداء- إلا بمستقل المعنى موف بالمقصود، وهو فى أقسامه كأقسام الوقف الأربعة ويتفاوت تماماً وكفاية وحسناً وقبحاً، بحسب التمام وعدمه وفساد المعنى وإحالته.
(٢) سورة يس: ٢٢