ثم إن الحافظ ابن الجزري ( ت ٨٣٣ هـ ) جمع ما انتهى إليه من سبقه في مصنفاته المنيفة، ويأتي في مقدمتها الكتاب المذكور غاية النهاية وكتابه النشر في القراءات العشر ومنظومته طيبة النشر، ومن ثم عكف الشيوخ عليها تأليفا وإقراء، فاشتهر علم التحريرات الذي يعنى بعزو أوجه القراءات إلى طرقها ومصنفاتها، في دقة متناهية مع بيان الجائز منها والممنوع حال الإقراء، وآخر ما انتهى إليه هذا العلم تحقيقا وتأليفا وإقراء هو الإمام محمد بن أحمد المتولي ( ت ١٣ ١٣هـ ) الملقب بابن الجزري الصغير، إذ عليه مدار الإقراء وبه تلتقي جل أسانيد القراء، فهو بجدارة إمام مدرسة القراءات في العصر الحديث(١)[٢٤]).
ولئن استمر العمل في تحرير القراءات والحكم عليها بعد ابن الجزري فإنه لن ينقطع بالمتولي، وهو مجال رحب للقراء والباحثين.
أهمية الحكم على القراءات
القراءات ميراث خالد اختصت به هذه الأمة من بين سائر الأمم، وعلم القراءات علم جليل، له من الرواية ذروة سنامها، ومن الدراية صافي دررها، وإحكام مبانيها والتبحر في مقاصدها والغوص في معانيها بحر لا ساحل له وغور لا قاع له.
وعلم القراءات ليس له حد ينتهي إليه، فمجالاته عديدة وفروعه متشعبة، وطرق أسانيده لا تكاد تستقصى، ومعاني وجوه القراءات لا تكاد تنقضي، فكلما أنعم الباحث النظر في تصاريفها تجددت معانيها في حلل أبهى.
وتجيء مكانة الحكم على القراءات في أولويات القيم العلمية لهذا النوع من العلوم الشرعية.

(١) ٢٤] ) انظر كتاب الإمام المتولي وجهوده في علم القراءات صـ ٨، ٣٣٢، ٣٧٥.


الصفحة التالية
Icon