وذهب أئمة السلف وأكثر العلماء إلى أن المصاحف العثمانية لم تشتمل على جميع الأحرف السبعة، وإنما اشتملت على جزء منها، وأن الجمع العثماني منع من القراءة مالا يحتمله خطه، وعليه فإن ما كان كذلك فهو من القراءات الشاذة وليس من التفسير، ولكن حكمه حكم التفسير بل أقوى(١)[٦٦]).
ومذهب السلف هو الأسلم والأولى، وهو الموافق لتاريخ القراءات، وبه لا تنخرم إحدى القواعد المعتبرة التي اعتمدها أهل السنة والجماعة في تصحيح القراءة أو تشذيذها، وهي السند والرسم والعربية، وذلك يقتضي أن كل قراءة خرجت عن رسم المصاحف العثمانية قراءة شاذة وليست تفسيرا.
وينبغي التنبه هنا على أن المقصود باشتراط العربية ذا بُعد يرجع إلى نزول القرآن على لسان العرب، وإلى أن أحرفه السبعة لا تخرج عن لهجات العرب، وحينئذ فإن الوجه إذا ثبت نقله واستقام رسمه فلا يحكم عليه بالشذوذ لمجرد طعن بعض النحاة ومن تبعهم، بل القراءة هي الحاكمة والحجة، فكيف إذا كان مقروءا بها في الأمصار والمحاريب، ويرحم الله الإمام ابن مالك ( ت٦٧٢ هـ) إذ انتصر لأحد الوجوه التي أنكرت في قوله :
وعمدتي قراءةُ ابن عامرِ * وكم لها من عاضد وناصري(٢)[٦٧]).
وأغلب ما وصف بالشذوذ من القراءات كان بسبب مخالفة الرسم العثماني أو بسبب عدم توافر النقل، وليس من أجل مخالفة العربية، إلا في النادر، مما نقله ثقة ولا وجه له في العربية، ولا يصدر مثل هذا إلا سهوا بشريا، وقد نبه عليه المحققون والقراء الضابطون(٣)[٦٨]).
الفصل الثالث : الخطوات العلمية للحكم على القراءات،
ويشتمل على مبحثين:

(١) ٦٦] ) انظر فضائل القرآن لأبي عبيد صـ١٥٤ وبيان السبب الموجب لاختلاف القراءات وكثرة الطرق والروايات صـ ٢٤٣ ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ١٣/٣٩٧، ٤٠١ والإتقان في علوم القرآن ١/٢٦٦.
(٢) ٦٧] ) الكافية الشافية صـ٥٣.
(٣) ٦٨] ) انظر النشر في القراءات العشر ١/١٦.


الصفحة التالية
Icon