وقال الداني مبيناً الطريقة التي ينبغي للقارئ أن يسلكها حال القراءة قال: ينبغي للقارئ أن يأخذ نفسه بتفقد الحروف التي لا يوصل إلى حقيقة اللفظ بها إلا بالرياضة الشديدة والتلاوة الكثيرة مع العلم بحقائقها والمعرفة بمنازلها فيعطي كل حرف منها حقه من المد إن كان ممدودا ومن التمكين إن كان مُمكّنا ومن الهمز إن كان مهموزا ومن الإدغام إن كان مدغما، ومن الإظهار إن كان مظهرا ومن الإخفاء إن كان مخفيا، ومن الحركة إن كان محركا ومن السكون إن كان مسكنا.
ومتى لم يفعل ذلك القارئ ولم يستعمل اللفظ به كذلك صار عند علماء هذه الصناعة لاحناً.[٨٩]
ويوجه الهذلي قارئ كتاب الله إلى الأخذ بأسباب التجويد مبينا له القواعد التي يجب عليه الاهتمام بها حتى يصير قارئا مصدرا ومتى أخل بشيء من تلك التوجيهات لم يجز له أن يقرئ أحداً من الناس.
قال رحمه الله: والأصل أن يتفقد الإنسان لفظه ويعتبر النظم والترتيل والتحقيق والحدر.
والترتيل: القراءة بتفكر.
والتحقيق إعطاء الحروف حقوقها من غير زيادة ولا نقصان ولا تكلف، وإتعاب نفس برفع صوت، ولا مبالغة في النفس فينقطع.
ولا يخلط آية رحمة بعذاب إذا لم يكن موضع الوقف.
والحدر: أن يقرأ بغير تفكر في المعاني ولا يمضغ، ولا يزيد ولا ينقص، وليكن صوته على وتيرة واحدة، ويجتهد في مخارج الحروف وذلك بعد أن يعرف مخارجها على اختلاف أقاويل العرب، ويعلم مجهورها من مهموسها وزائدها من أصليها، ومبدلها مما لا يثبت فيه البدل، ومطبقها من المنخفض منها، ونطعيها من لثويها، وذلقيها من أسليها، وحلقيها من حنكيها، وأشباه ذلك مما فيه طول فمن لم يعلم مثل هذا ولم يفهمه لم يجز له أن يقرئ أحداً من الناس ولا يأخذ على أحد حرفا، ويحرم عليه ذلك في هذه الصناعة. [٩٠]
وقال الشهرزوري[٩١] في المصباح الزاهر: إن من لم يعط الحرف حقه من الصفات اللازمة والعارضة، ويخرجه من مخرجه المحدد له فقد صرفه عن مبناه وحاد به عن معناه.
قال: اعلم أن التجويد حلية التلاوة وزينة الأداء والقراءة، وهو إعطاء الحروف حقوقها، وترتيبها مراتبها، ورد الحرف من حروف المعجم إلى مخرجه وأصله، وإلحاقه بنظيره وشكله، وإشباع لفظه ولفظ النطق به؛ لأنه متى ما تغير عما ذكرته لك من وصفه زال عن وضعه ورصفه. [٩٢]
ويقول الشيرازي إن حسن الأداء فرض واجب على من رام قراءة شيء من كتاب الله سواء رتل، أو حقق أو حدر.


الصفحة التالية
Icon