ولا شك أن الأمة كما هم متعبدون بفهم معاني القرآن وإقامة حدوده متعبدون بتصحيح ألفاظه وإقامة حروفه على الصفة المتلقاة من أئمة القراءة المتصلة بالحضرة النبوية الأفصحية العربية التي لا يجوز مخالفتها ولا العدول عنها إلى غيرها، والناس في ذلك بين محسن مأجور ومسيء آثم، أو معذور.
فمن قدر على تصحيح كلام الله تعالى باللفظ الصحيح العربي الفصيح وعدل إلى اللفظ الفاسد العجمي أو النبطي القبيح استغناء بنفسه واستبدادا برأيه وحدسه واتكالا على ما ألف من حفظه، واستكبارا عن الرجوع إلى عالم يوقفه على صحيح لفظه فإنه مقصر بلا شك، وآثم بلا ريب وغاش بلا مرية، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة لله ولكتابه ولرسول ولأئمة المسلمين وعامتهم" [٩٨].
أما من كان لا يطاوعه لسانه أو كان لا يجد من يهديه إلى الصواب بيانه فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها[٩٩].
أقول: لم يكن ابن الجزري بدعا من الناس فيما صرح به من وجوب الأخذ بالتجويد لكتاب الله وتأثيم المتهاون بتطبيق قواعده الموافقة للغة العرب لمن استطاع إليها سبيلا فقد سبقه إلى ذلك علماء القراءات العالمون بحقائقها ودقائقها وقد تقدم عن الداني ومكي والهذلي والشهرزوري والشيرازي ما يفيد ذلك فأئمة الإقراء كلهم مجمعون على وجوب الأخذ به.
قال الداني مبيناً أن الأخذ بالتجويد من ألزم الأشياء للقارئ وأنه منهج السلف:
من ألزم الأشياء للقراءوكل حرف من حروف الذكرفحقه التفكيك والتمكينفاستعمل التجويد عند لفظكافعن قريب بالجزيل تجزىقد جاء في الماهر بالقرآنما فيه مقنع لمن تدبرههذا مقال الصادق المصدوقوليسلكوا فيه طريق من مضى.
تجويد لفظ الحرف في الأداءمما جرى قبل ولم يجروحكمه التحقيق والتبيينبكل حرف من كلام ربكاوبنعيم الخلد سوف تحظىمن الشفاء ومن البيانبأنه مع الكرام السفرهفليرغب القراء في التحقيقمن الأئمة مصابيح الدجى[١٠٠]
المبحث الرابع: كيف يتلقى القرآن
مما تقدم تبين لنا أن أخذ القراءة سنة متبعة يجب على الآخذ أن يتلقاها من أفواه الشيوخ الضابطين ويؤديها كما أديت إليه سنة الله في حفظه لهذا الكتاب العظيم وصونا له عن التحريف واللحن ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [١٠١]
فهذا سيد الخلق رسول الله ﷺ يدارس جبريل بالقرآن ويعارضه به في كل رمضان فلما كان العام الذي توفي فيه عارضه القرآن مرتين. [١٠٢]


الصفحة التالية
Icon