ثالثاً : معرفة ما في القرآن من العلم والعمل وهذا مأخوذ من قوله تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ أي علينا تعليمك حلاله وحرامه كما علمناك قراءته. [١١٤]
وأحاديث مدارسة جبريل للنبي ﷺ بالقرآن في كل رمضان واعتبار الصحابة القراءة سنة متبعة يجب العمل بها والمصير إليها مما تقدم بيانه كل ذلك يستفاد منه أن الأخذ والتلقي والعرض والسماع أمور لابد منها لطالب القرآن مهما بلغت منزلته وعلا كعبه أسوة برسول الله ﷺ وصحابته من بعده والتابعين لهم بإحسان.
روى الداني بسنده أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمع رجلا يقرأ في سورة يوسف (ليسجننه عتى حين) فقال له عمر: من أقرأكها؟ قال أقرأنيها ابن مسعود.
فكتب عمر إلى ابن مسعود رضي الله عنه: سلام عليك أما بعد فإن الله أنزل هذا القرآن فجعله قرآناً عربياً مبيناً، وأنزله بلغة هذا الحي من قريش، فإذا جاءك كتابي هذا فأقرئ الناس بلغة قريش ولا تقرئهم بلغة هذيل والسلام. [١١٥]
قال الداني معقباً على هذه الرواية: وهذا الخبر أصل كبير ومعناه تعليم عمر عبد الله رضي الله عنهما – رياضة الألسنة، وأمره إياه أن يأخذ من يقرئه بالتفرقة بين الحروف المتشابهة في اللفظ المتقاربة في المخرج، حتى يؤدى القرآن على ما أنزل عليه من القراءات واللغات دون ما يجوز من ذلك من كلام العرب ولغاتها إذا كان مخالفا لما أنزل عليه من الأحرف، ألا ترى أن الفرق بين العين والحاء بحَّة الحاء، ولولا هي لكانت عيناً.
وإنما كانت ذات بحة لهمسها وجهر العين، فميز عمر رضي الله عنه الفرق بينها، وأمر عبد الله رضي الله عنه بتتبع ذلك على القارئين وتلخيص بيانه للتالين فيلزم سائر القراء وجميع أهل الأداء استعمال ذلك وتفقده حتى يلفظ بالحروف على هيئتها وينطق بها على مراتبها. [١١٦]
ومن تتبع كلام الأئمة في المحاذير التي تعرض لكل حرف من حروف الهجاء وسلامة النطق به حال القراءة واجتماعه مع غيره علم علم اليقين أن الطريق ليس سالكا لكل من رامه ولو كان من أرباب الفصاحة والبلاغة بل لابد فيه من القائد الخبير ورياضة باللسان تذلل العسير.
قال في النشر: أول ما يجب على مريد إتقان قراءة القرآن تصحيح إخراج كل حرف من مخرجه المختص به تصحيحا يمتاز به عن مقاربه، وتوفية كل حرف صفته المعروفة به توفية تخرجه عن مجانسه، يعمل لسانه وفمه بالرياضة في ذلك إعمالا يصير ذلك له طبعا وسليقة.


الصفحة التالية
Icon