فإذا كان هذا حال الطلاب في تلك القرون المتقدمة فماذا عسى أن نقوله عمن طغت عليه العجمة وفشي فيه اللحن وغلب عليه اعوجاج اللسان من أهل زماننا هل يُتْرك يقرأ بحسب طبعه ولهجته وما سهل على لسانه ؟
ولقد رد العلماء هذه المقولة ووصفوا قائلها بالنقص والجهالة.
قال مكي رحمه الله تعالى: وليس قول المقرئ والقارئ أنا أقرأ بطبعي وأجد الصواب بعادتي في القراءة لهذه الحروف من غير أن أعرف شيئاً مما ذكرته بحجة بل ذلك نقص ظاهر فيهما.
لأن من كانت هذه حجته يصيب ولا يدري، ويخطئ ولا يدري؛ إذ علمه واعتماده على طبعه وعادة لسانه، يمضي معه أينما مضى به من اللفظ، ويذهب معه أين ما ذهب، ولا يبنى على أصل ولا يقرأ على علم ولا يقرئ عن فهم فما أقربه من أن يذهب عنه طبعه، أو تتغير عليه عادته وتستحيل عليه طريقته؛ إذ هو بمنزلة من يمشي في ظلام في طريق مشتبه فالخطأ والزلل منه قريب.
والآخر بمنزلة من يمشي على طريق واضح معه ضياء لأنه يبني على أصل، وينقل عن فهم، ويلفظ عن فرع مستقيم وعلة واضحة فالخطأ منه بعيد.
فلا يرضى امرؤ لنفسه في كتاب الله جل ذكره وتجويد ألفاظه إلا بأعلى الأمور وأسلمها من الخطأ والزلل[١٢٥].
وإلى وجوب عرض القرآن وأخذه عن أهل الضبط والإتقان نبه الداني في منظومته المنبهة فقال:
على الإمام الفاضل الديّان
واعلم بأن العرض للقرآن
ذوي المحل وذوي القرابة
من سنة النبي والصحابة
بل من وكيد الأمر قد عدّوه
والتابعون بعد لم يعدوه
بأنه قرا على جبريل
إذ كان قد صح عن الرسول
على أبيّ ثم قد أقراه
وقد قرا بالوحي إذ أتاه
وهل يردُّ الحق إلا مبتدع
فأي شيء بعد هذا يتبع
إذ هو في الورى كمن لا يبصر[١٢٦]
أو جاهل لقوله لا ينظر
--------------------------------------------------------------------------------
[١] حرز الأماني للشاطبي : ٨
[٢] سورة الممتحنة آية : ٤
[٣] لسان العرب لابن منظور ٣/١٣٥ مادة : جود
[٤] التحديد لحقيقة الإتقان والتجويد للداني : ٧٠، التمهيد في علم التجويد لابن الجزري : ٥٩، النشر : ١/٢١٢
[٥] هداية القاري : ١/٤٥
[٦] التحديد للداني: ٧٠، التمهيد: ٥٩، النشر: ١/٢١٢، المصباح الزاهر: ٤/١٤٦٨
[٧] يوسف بن علي بن جبارة بن محمد بن عقيل أبو يوسف بن علي القاسم الهذلي، ولد في حدود التسعين وثلاثمائة.


الصفحة التالية
Icon