فكان الإمام البخاري رحمه الله ممن تصدى لتدوين سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، بل كان أول من أفرد الحديث الصحيح في مؤلف. وأفرد في مصنفه هذا كتابا في التفسير أيضا، كما أورد روايات وأحاديث تتعلق بتفسير بعض الآيات في كتب وأبواب أخرى من هذا الجامع الذي سماه "الجامع الصحيح"، فلا يكاد يخلو كتاب من كتبه أو باب من أبوابه مما له تعلق بتفسير آية قرآنية.
وقد تصدى جمع من العلماء لشرح هذا الجامع، وإيضاح ما خفي على الأذهان مما أودع فيه، منهم شيخ الإسلام في الحديث العلامة الحافظ ابن حجر رحمه الله، فكان شرحه لصحيح البخاري من أجل الشروح، بل هو أجلها وأشملها وأنفعها.
ولا شك أن شرحه هذا الذي سمّاه بـ "فتح الباري" يعد موسوعة كبيرة في المعارف الإسلامية عموما؛ فإن الحافظ ابن حجر رحمه الله قد أودع فيه علوما شتى ونافعة، لا نكاد نجد مثله في كتاب آخر، كما أنه يعتبر أكبر وأجمع ما ألفه ابن حجر. وهذا ليس بغريب؛ إذ أنه قضى في تأليفه خمسة وعشرين سنة، من بداية سنة٨١٧هـ إلى ٨٤٢هـ، وكان جمعه للمقدمة في سنة٨١٣هـ١. ففيه
١ صرح بذلك في خاتمة الكتاب ١٣/٥٥٦.