ذلك منورا من أرجاء قواعده كل حالك، ثم إنني أصبت به وبغيره في منصرفي إلى مصر.
ولهذا أقول: ربما كانت هذه المسائل هي التي دفعته إلى تأليف كتاب المغني الذي اشتمل على معظم الآيات القرآنية المشكلة في الإعراب. ولذلك لما قيل له: هلا فسرت القرآن أو أعربته؟ قال: أغناني المغني. وبمراجعتي لكتاب المغني وجدت فيه ثلاثين آية من الأربع والأربعين المذكورة في الكتاب المحقق. ووجدت منهجه في الكتابين واحدا مما يؤيد أن الكتاب المحقق لابن هشام الأنصاري صاحب كتاب المغني، وقد فصل ابن هشام في كتابه المغني وأجمل هنا في بعض المسائل، وأجمل وفصل هنا في بعضها.
ونترجم لمؤلف الكتاب في إيجاز، فنقول: ولد ابن هشام الأنصاري في ذي القعدة سنة ثمان وسبعمائة١ وتسع وثلاثمائة وألف للميلاد في القاهرة٢.
وهو عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري، جمال الدين، أبو محمد٣ وكان أولا حنفيا ثم استقر حنبليا٤
لزم الشيخ شهاب الدين عبد اللطيف بن المرحل، وتلا على ابن السراج وسمع من أبي حيان ديوان زهير بن أبي سلمى ولم يلازمه وقرأ عليه، وحضر دروس الشيخ تاج الدين التبريزي، وقرأ على الشيخ تاج الدين الفاكهاني جميع شرح الإشارة له إلا الورقة الأخيرة، وتفقه
٢ الأعلام جـ ٥ ص ٢٩١، ودائرة المعارف الإسلامية جـ ١ ص ٢٩٥
٣ الدرر الكامنة جـ ٢ ص ٤١٥.
٤ النجوم الزاهرة جـ ١٠ ص ٣٣٦.
مسألة: علام انتصب خيرا من قوله تعالى: ﴿وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ﴾ ١؟
الجواب: إما على المفعولية، وعاملها إما محذوف: أي وأتوا خيرا، وهو محكي عن سيبويه٢ وأنما أحفظه عنه٣ في ﴿انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ﴾ ٤ أو مذكور: وهو وأنفقوا على أن يكون المراد بالخير المال. كقوله تعالى: ﴿إِنْ تَرَكَ خَيْراً﴾ ٥ وقد يبعده قوله: لكم.
وإما على أنه خبر لكان محذوفة أي يكن الإنفاق خيرا. قال الكسائي٦ والفراء٧ [هو نعت لمصدر محذوف تقديره:
٢ سيبويه: عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاء، أبو بشر: إمام النحاة. صنف (الكتاب) في النحو. وناظر الكسائي، وأجازه الرشيد بعشرة الآف درهم، توفي سنة ١٨٠ هـ = ٧٩٦ م. (ابن خلكان جـ ١ ص ٣٨٥ والشريشي جـ ٢ ص ١٧والبداية والنهاية جـ ١٠ ص ١٦٧ والسيرافي ص ٤٨ وتاريخ بغداد جـ ١٢ ص ١٩٥ وطبقات النحويين ص ٦٦: ٧٤)
٣ عنه: لعلها زائدة في المخطوط، حيث إن الرأي المذكور ورد منسوبا لسيبويه في مشكل إعراب القرآن جـ ٢ ص ٣٨٣.
٤ سورة النساء من الآية ١٧١ وتمامها ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً﴾.
٥ سورة البقرة من الآية: ١٨٠ وتمامها ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾.
٦ الكسائي: علي بن حمزة بن عبد الله الأسدي بالولاء، الكوفي، أبو الحسن: إمام في اللغة والنحو والقراءة. سكن بغداد، وتوفي بالري، وهو مؤدب الرشيد العباسي، وابنه الأمين. وله عدة مصنفات. توفي سنة ١٨٩هـ = ٨٠٥ م (غاية النهاية جـ ١ ص ٥٣٥ وابن خلكان جـ ١ ص ٣٣٠ وتاريخ بغداد جـ ١١ ص ٤٠٣ ونزهة الألبا ص ٨١: ٩٤ وطبقات النحويين ص ١٣٨ وإنباه الرواة جـ ٢ ص ٢٥٦).
٧ الفراء: يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي، مولى بني أسد أو (بني منقر) أبو زكريا، المعروف بالفراء إمام الكوفيين، وأعلمهم بالنحو واللغة وفنون الأدب. كان يقال: الفراء أمير المؤمنين في النحو ومن كلام ثعلب: لولا الفراء ما كانت اللغة. (إرشاد الأريب جـ ٧ ص ٢٧٦ ووفيات الأعيان جـ ٢ص ٢٢٨ وابن النديم ط. فلوجل ص ٦٦: ٦٧ ومفتاح السعادة جـ ١ ص ١٤٤ وغاية النهاية جـ ٢ ص ٢٧١ ونزهة الألبا ص ١٢٦ ومراتب النحويين ص ٨٦: ٨٩ وتهذيب التهذيب جـ ١١ ص ٢١٢ وتاريخ بغداد جـ ١٤ ص ١٤٩: ١٥٥).