ثم إن المعنى الذي شرعت الاستعاذة له يقتضى أن تكون قبل القراءة؛ لأنها طهارة للفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفث وتطييب له وتهيؤ لتلاوة كتاب الله تعالى فهي التجاء إلي الله تعالى واعتصام بجنابة من خلل يطرأ عليه أو خطأ يحصل منه في القراءة وغيرها وإقرار لله بالقدرة، واعتراف العبد بالضعف والعجز عن هذا العدو الباطن الذي لا يقدر على دفعه ومنعه إلا الله الذي خلقه، فهو لا يقبل مصانعة ولا يدارى بإحسان ولا يقبل رشوة، بخلاف العدو الظاهر من جنس الإنسان، كما دلت عليه الآي الثلاث في القرآن التي أرشد فيها إلي رد العدو الإنساني والشيطاني، فقال تعالى في الأعراف: ( خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين ) فهذا ما يتعلق بالعدو الإنساني، ثم قال: (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله) الآية، وقال في المؤمنون: ( ادفع بالتي هي أحسن السيئة)، ثم قال: ( وقل رب أعوذ بك ) الآية. وقال في فصلت: ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة ) الآيات. وفى ذلك قال ابن الجزرى:
شيطاننا المغوى عدو فاعتصم.:. بالله منه والتجئ وتعوذ
وعدوك الإنسى دار وداده.:. تملكه وادفع بالتى فإذا الذي
المبحث الثالث: في صيغتها: وفيه مسألتان:
الأولى: أن المختار لجميع القراء من حيث الرواية: ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) كما ورد في سورة النحل فقد حكى ابن سوار وأبو العز القلانسى وغيرهما الاتفاق على هذا اللفظ بعينه. وقال الإمام السخاوى في كتابه ( جمال القراء): إن الذي عليه إجماع الأمة هو ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم). وقال الحافظ أبو عمرو الداني: إنه هو المستعمل عند الحذاق دون غيره. أ هـ.