ونقل لنا إلى جانب صفاته وملامحه وطيب أنفاسه أمر آخر يتعلق بتعدد كناه، فقد كان يكنى بأبي رؤيم(١)، وهي أشهر كناه(٢)، ويقال أبو الحسن، وأبو عبد الله وأبو عبد الرحمن(٣)ويقال أبو نعيم(٤)وأبو بكر(٥)وأبو محمد(٦)، وقد قيل انه كان بأيها دعي أجاب(٧).
ومهما يكن فإن هذا الطفل الأسود الحالك السواد الطيب الأنفاس، سيكون له شأنه الكبير، وشأوة البعيد في المجتمع المدني، فيرى فيه مصداقا لتلك الشمائل والمنقبيات، من خلال العمر الطويل الذي سيمتد قرابة مائة عام، يصرفها كلها في خدمة كتاب الله وبثه في الناس، إذ كان اتصاله بهذا الكتاب الاتصال الذي لم تنفصم عراه منذ أن كان طفلا في ميعة الصبا إلى أن أمسى في عداد المعمرين(٨). ولعل أهله كانوا يعدونه لهذه المهمة، ويتوسمون فيه ما كان يتوسمه الموالي في أبنائهم من شفوف القدر ونباهة الشأن كلما ظهر منهم نبوغ في علم من علوم الرواية، في زمن كان فيه لأهل التبريز لاسيما في علم كتاب الله المقام الذي لا يطال، والتقدير الذي لا يبخس في موازين الرجال.

(١) - وهو تصغير رئم وهو الظبي، وقد جاء بحاشية مخطوطة للإقناع لابن الباذش أن شيخه أبا جعفر يزيد بن القعقاع كناه بأبي رؤيم ـ ينظر الإقناع هامش ١ الجزء الأول ص ٥٦.
(٢) - القصد النافع لأبي عبد الله الخراز (مخطوط).
(٣) - هذه الكني الأربع متفق عليها في مصادر ترجمته.
(٤) - اقتصر عليها الأهوازي في المفردات، وأنكرها الداني في رسالة التنبيه وعزاها إلى التصحيف، وأثبتها له ابن الباذش في الإقناع ١/٥٦ ـ والذهبي في سير أعلام النبلاء ٧/٣٣٦.
(٥) - ذكرها الأندرابي في كتاب "قراءة القراء المعروفين برواية الرواة المشهورين" ٥١.
(٦) - ذكرها الذهبي في سير أعلام النبلاء ٧/٣٣٦.
(٧) - شرح المنتوري على الدرر اللوامع (مخطوط) والفجر الساطع لابن القاضي (مخطوط).
(٨) - عاش إلى سنة ١٦٩ على المشهور فبلغ قرابة المائة، وسيأتي قول الهذلي فيه "كان معمرا".

ويتعلق مرادنا منه بقوله في مقدمته :"فاستخرت الله تعالى في تأليف كتاب أبين فيه القراءات السبع التي ذكرها الأستاذ أبو محمد القاسم الشاطبي غاية البيان(١)...
فالكتاب أذن محاذ لللشاطبية وهو أشبه بالحاشية عليها، وقد تعقب فيه الجعبري في مواضع، منها ما يتعلق بمراتب المد(٢)، بل إنه كثيرا ما تعقب الشاطبي نفسه كما فعل في سورة البقرة عند قوله " هدى للمتقين" معترضا عليه في قوله في باب الإمالة:
وقد فخموا التنوين وفقا رققوا... وتفخيمهم في النصب أجمع أشملا
فقال: "وما ذكره في قوله "وقد فخموا التنوين وفقا ورققو.. إلخ منكر لا يوجد في كتاب من كتب القراءات، بل هو كما قال المحقق ـ ابن الجزري ـ مذهب نحوي لا أدائي، دعا إليه القياس لا الرواية"(٣).
ثم راد فذكر أن هذا الخطأ تمادى على تقريره الشراح تبعا لشارحه الأول أبي الحسن السخاوي قال: "فهم وان تعددوا حكمهم كحكم رجل واحد... "(٤).
وكذلك فعل معه في قوله في باب الهمزتين من كلمتين :
والأخرى كمد عند ورش وقنبل... وقد قيل مخض المد عند تبدلا
منكرا عليه التعبير عن ذلك ب"قيل"المشعرة بتوهين هذا الوجه، قال :"ولعل الشاطبي إنما عبر عه بقيل ليشير إلى أنه من زياداته على التيسير، وأنه على غير قياس كما ذكره الداني في جامعة، وأما عمل الناس فإنهم مقلدون للشاطبي"(٥).
١٨٦- إتقان الصنعة في التجويد للسبعة لأبي العباس أحمد بن علي بن شعيب وبه عرف المالقي نزيل فاس
(١) - غيث النفع بهامش سراج القارئ ٧-٨.
(٢) - غيث النفع ٧٢-٧٣.
(٣) - نفسه ٩١.
(٤) - نفسه ٩٩.
(٥) - غيث النفع ١٠٥.


الصفحة التالية
Icon